أدرتُ المفتاحَ في الباب. ارتعشتْ يدي و أنا أدفعُ وأحاول الدخول للغرفة. رائحةُ العَطنِ تَلْفحُ أنفي و تزكُمها، ازدادتْ دقاتُ قلبي الواهن. كان الظلامُ يحوط بكُلِّ شيءٍ، لا يُرَي في الغُرفةِ غير منضدةٍ، موضوعٌ عليها كوب فارغ يلمعُ بسبب الضوء الذي ينسربُ من أعلي الغرفة عند ثُقبِ السقفِ القديم. خطوتُ للداخلِ، ازدادَ الخفقانُ، أخرجتُ المفتاحَ مِنْ الباب بتؤدةٍ، كأنَّني أخشي أنْ يُغْلقَ البابُ عليَّ، فلا أخرُجُ ثانيةً. أخذتُ أبحثُ عَنْ مكانِ مفتاحِ المصباح الكهربائي الوحيد الذي يتدَّلي مِنْ سقفِ الغرفةِ، بيدٍ راعشة. جالتْ يدي اليسري في الحائط بجانب الباب. أُدخِلُ مفتاح الباب الذي كان بيدي اليمني في جيبي، شاركتْ اليُمني اليسري في اعدال المفتاح الكهربائي المُتدلِي. حاولتْ الاقتراب أكثر حيث كانت يديًّ تبتعدان عن جسدي كأنهما ليستا لي، كم أخاف صعقة الكهرباء...كنتُ متهيِّباً الاقتراب، و لكن بيدٍ ماهرةٍ تغلبتُ علي خوفي و.... أضيئتْ الغرفة... تملَّصَ الظلامُ وهربَ.ضاقتْ عيني بفعلِ الضوء الكثيف الذي ملأ المكان، بانتْ الغرفةُ بوضوح. هناك، يرقدُ صندوقٌ خشبي في سكينةٍ جلبتْ له عنكبوتاً نسَّاجاً بارعاً، غطي الصندوق بنسيجه الذي تحوَّل للون التراب، بفعل الغبار العالق فيه. وهنا، المنضدة أكثر وضوحاً، و بها تستكين أواني قديمة فارغة كأنها لم تُستخدم من قبل. و بالمنضدة بعض بذور نابتة. ورقةٌ علي المنضدة، اكتستْ بطينٍ خفيفٍ، لعَّله قد تكون بفعل المطر و الغبار المستمر في التَدفُّق علي الغرفة الطرفية في ذاك المنزل النائي. أخذتُ احاول إزالة الطين من الورقة، بدأت بعض الكلمات في الظهور، البعض الآخر استعطي و خشيتُ تمزيقها... الكلمات متناثرة أخذتُ أقرأ: حبيبي /....... كيف.......... لقد..... و أنا...... لند متي...... أنتظرُك. تحدَّرتْ دمعةٌ سخينةٌ، بكيتُ بصوتٍ كتيم. هي لم ترد المغادرة، و لكن سوء معاملة أهلي لها دفعها للعودة لإنجلترا. كانت تُحبني جداً وأُحبها. لم يستوعب أهلي شكلها ولغتها وعملها، علي الرغم من اجتهادها لاستلطافهم، تعلَّمتْ لغتنا بعنتٍ وصبرٍ شديدٍ، تزيَّتْ مثلهم، ولكن فكرة الزواج من أجنبية غير مقبولة لديهم البتة. ثُقبُ السقفِ يُدخِلُ ضوءً باهتاً، ولكَّنه كان يكفي لنمو بعض النباتات الصغيرة، وبعض نبتات من بقايا بذور بعض الفاكهة التي كنا نتناولها سراً، بعيداً عن أعين أهلي... ضحكتُ وأنا أتذكرُ إصرارها علي أنْ نأكل دونما خوف وأمام أهلي دون إعطائهم شيئاً مُعلَّلةً ذلك بأنه من حقِنا. الصندوقُ الخشبي قابعٌ في ركنِه، وقفتُ بجانبه. حاولت فتحه بذاك المِفتاح الصَدِيّ، لم يستجبْ القِفلُ. وجدتُ مِطرقةً، هويتُ علي القِفلِ بها فانكسر. رفعتُ غطاءَ الصُندوقِ، انبعثْ رائحةٌ عتيقةٌ. كل محتوياته كانت في مكانها إلا..... تذكرتُ حديث أمي لي ذات ليلة، كانت (جين) قد ذهبتْ لسفارة بلادها، لوحدها. قالتْ أمي: يا بُنَيّ، هذه الأجنبية لن تصبر علي حالنا كثيراً، وأخشي أن تنجب لك وتذهب بابننا بعيداً لبلادها.... مازحتُها: وإنْ أنجبتْ لنا بنتاً؟ أشاحت بوجهها. تذكرتُ وهي معي في الفراش، قالت: إني أُحبك جداً يا آدم، و لكن..... ولكن لابد أنْ أرجع للندن. توسَّلتُ لها أنْ لا تفعل، لم تكترثْ لكلامي بل أضافتْ: وهناك شيء لابد أن يكون معي. الآن ...فقط، انتبهتُ بأنها قد أخذت تلك الصورة التي تجمعنا و نحن في قمة بهائنا، ملتحمان، وعيوننا في بعضها ناظرةٌ بحب و شبق، لقطة باهرة هي صورة زواجنا.