شهدت الثمانى والأربعون ساعة الماضية هجمة -جديدة فى شكلها وفريدة فى موضوعها- من جانب جماعة الإخوان، حيث تحركت ميليشيات تابعة لها نحو مدينة الإنتاج الإعلامى فحاصرتها، وبالتوازى مع ذلك تحركت مجموعات أخرى إلى قصر الاتحادية واعتدت على المعتصمين أمام الباب العالى لرئيس الجمهورية، ليعلو صوت الضجيج والعجيج والضرب وليتحول الأمر إلى ما يشبه «المعجنة». وقد جاء هذا التحرك بعد ساعات قليلة من القرارات التى أصدرها الدكتور محمد مرسى بإقالة محافظ شمال سيناء، ورئيس المخابرات، وقائد الحرس الجمهورى، وقائد الشرطة العسكرية. تلك القرارات التى قوبلت بترحاب كبير من الشارع الثورى، الذى دعا الرئيس مراراً إلى استخدام ما يملك من صلاحيات فى تنظيف مؤسسات الدولة من الفلول. لكن السعادة بهذه القرارات لم تلبث أن تلاشت مع انقضاضة «خميرة العكننة الإخوانية» لتفسد ما فعله الرئيس، ولو كان لدى هؤلاء الصبية ومن أعطوهم هذا «التكليف» عقل أو منطق لأدركوا أن ما يحلمون به من استفراد وسيطرة على مصر ب«الدراع» ضرب من ضروب المستحيل. لقد ثار هذا الشعب ضد المخلوع وحزبه وأهله وعشيرته؛ لأنه احتكر الحكم، وظن أن أداته الشرطية -التى كانت تقترب فى عددها من مجموع المنتظمين فى صفوف الإخوان- مانعته من غضبة الشعب الذى قرر أن ينال حريته، وأن يصنع مستقبله بعقله ويديه، دون وصاية من أحد. وإذا كانت عودة فكر المخلوع ونظامه تحتاج إلى معجزة، فإن رغبة جماعة «الإخوان» فى إعادة إنتاج هذه الطريقة فى الحكم تحتاج إلى معجزة أكبر. وزمن المعجزات ولى وانتهى! إن الآلة الإعلامية التى تحاول ميليشيات الإخوان إعطابها هى التى حرّكت الدكتور مرسى إلى اتخاذ ما أتحفنا به من قرارات. ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى قصر الرئاسة كانت تدعوه إلى استخلاص السلطة من المجلس العسكرى. وكانت بذلك السر الأكبر فيما اتخذ الرئيس من قرارات، حين أحسنت القيام بدورها فى الرقابة. ومن المريب أن كل هذه الأحداث التى وصلت إلى حد صلب بعض المعتصمين أمام قصر الاتحادية عراة على أعمدة النور -كما أفادت إحدى الروايات- تمت فى غياب الشرطة المدنية التى غيّر الرئيس قائد أمنها المركزى، واختفاء الشرطة العسكرية التى أقال الرئيس قائدها الذى أبلى بلاء حسناً فى سحق الثوار فى التحرير ومحمد محمود وماسبيرو، حين كان الإخوان متفرغين لانتخابات مجلس الشعب! إن الجماعة لا تبحث عن تطهير الإعلام، كما تتمحك. وليس أدل على ذلك من قيامهم بتعيين بعض فلول الحزب الوطنى رؤساء تحرير لكبريات الصحف القومية. الجماعة تريد إعلاماً يقوده مجموعة من «الدلاديل» وشعبا «مدلدل» لها. عموما لا يستطيع أحد أن يمنع الإخوان من ممارسة حقهم فى «الانتحار»!