فى خطاب حديث أقسم الفريق عبدالسيسى وزير الدفاع على أنه: «قيل لى من قبل النظام السابق، جئنا لكى نحكم مصر 500 سنة»، والكاتب يصدقه فالراوى محل صدق وتصديق. بصرف النظر عن الخبل السياسى والعته البشرى الساكنين وراء هذا القول، فالتفسير المنطقى الوحيد له هو أن اليمين المتأسلم بقيادة الإخوان المخادعين كان ينوى فعلاً، كما كان يخشى البعض منا، تعطيل آليات التداول السلمى للسلطة بحيث يمنع أى تيار سياسى آخر من الوصول للسلطة بعده، ومن ثم عقد العزم على القضاء على إرادة الشعب الحرة فى اختيار من يحكمه، لقرون، إن أمكنهم. ولحسن الحظ أن الشعب لم يمكنّهم من تنفيذ المخطط الدنىء فخرج عليهم بعد سنة واحدة، وأسقط حكمهم بمدد طبيعى من القوات المسلحة لشعب مصر الباسلة. (1) ماذا لو؟ هذا الجزء من المقال من صنف الخيال العلمى يحاول أن يسقط النتائج الفعلية لحكم اليمين المتأسلم فى السنة التى اعتلى فيها سدة حكم مصر، لو استمر حكمهم خمس سنوات فقط، بمد الاتجاهات المرصودة إبان حكمهم على استقامتها واستشراف نتائجها المحتملة. نبدأ بالجانب الاقتصادى. نعلم أن الجنيه المصرى انخفض مقابل العملات الأجنبية بمعدل 15% فى أقل من عام حكم فيه اليمين المتأسلم، ولو استمر حكمهم خمس سنوات وواصل الجنيه الانخفاض على المعدل نفسه لانخفضت قيمة الجنيه إلى عُشر قيمته مما كان فى بداية حكمهم. ومن الخبرة الفعلية، أخذاً فى الاعتبار جشع التجار الذى كانت تتغاضى عنه حكومة اليمين المتأسلم وامتناع الحكومة عن ضبط الأسعار، ومكافحة الاحتكار، يظهر أن تدهور الجنيه بهذا المستوى كان سيعنى تضاعف الأسعار فى مصر عشر مرات على الأقل. ولو استمر حكمهم فالمؤكد أنهم كانوا سيواصلون سياسة الاستجداء والاقتراض من الخارج، وكان صندوق النقد الدولى سيفرض باقى شروطه القاضية برفع الدعم عن حاجيات الفقراء وزيادة الضرائب. وحيث لم يزد الإنتاج تحت حكمهم إلا كذباً، كما نعلم الآن تأكيداً عن خدعة تصريحات زيادة إنتاج القمح باعتراف وزير تموينهم الكاذب بعد الموجة الثورية الكبيرة الثانية فى 30 يونيو، فقد كان فى حكم المؤكد أن تعانى البلاد مجاعة. ومؤدى هذا المسار أن كان سيتحول كل المصريين تقريبا إلى فقراء يتقاتلون على الموارد الشحيحة التى بقيت، ولو بالعنف والسلاح، بينما يرفل قادة اليمين المتأسلم وأشياعهم فى نعيم الاغتراف من مال الشعب بدون حساب. ولمن يتذكر فإن فاتورة ساندوتشات وزراء اليمين المتأسلم اليومية على حساب الخزانة العامة كانت ستتعدى وحدها ربع مليار جنيه فى السنة. ولو استمروا فى الحكم لكانت ضحيتهم الأهم والأشد خطورة على مستقبل مصر والمصريين هى بنيان الدولة فى مصر، بهدمها واستبدال مؤسساتها الرئيسية، الجيش والشرطة والقضاء، بأخرى بديلة تقوم عليها قيادات اليمين المتأسلم من الإرهابيين وعتاة المتشددين، مثل ميليشيات شعبية يقوم عليها أمثال عاصم عبدالماجد وعبود الزمر، ومحاكم عرفية يقوم عليها شيوخ الفتنة والبغضاء من أمثال على السالوس ومحمد عبدالمقصود. ولربما طافت ميليشيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الفاشية شوارع مصر إكراهاً على العفة الشكلية وتنفيراً للبشر من العلاقات الإنسانية السوية. وليس بمستبعد أن يمنعوا النساء من قيادة السيارات ومن السفر بغير محرم. ولو استمرت سياستهم فى رعاية إرهابيى اليمين المتأسلم وتوطينهم فى مناطق الحدود المصرية لكانت أجزاء من مصر انسلخت فى سياق الخلافة الإسلامية المزعومة بريادة قطر المارقة لخدمة المشروع الصهيونى الإمبراطورى فى المنطقة العربية. وإذا استمرت سياستهم فى إيقاظ الفتنة ونفخ نيران الاحتراب الأهلى خاصة باضطهاد إخوة الوطن والدين من المسيحيين، لربما خسرت مصر قسماً كبيراً من أخلص أبنائها هاجرين الوطن العزيز الذى صاروا فيه مضطهدين. وإذا بلغ بهم الغباء أن تعقد الموقف باستدعاء التدخل الأجنبى لحماية المسيحيين المضطهدين فلربما لحقت مصر السودان بتقسيمها على أساس طائفى، الذى جرى هناك تحت حكم اليمين المتأسلم أيضاً. وإن استمرت سياستهم، وحلفائهم من المتشددين المعسرين على الخلق فى اضطهاد المثقفين والفنانين لانحط الإبداع والابتكار فى مصر وصارت أرض الكنانة طاردة للمبدعين وتحولت إلى قفار كصحراء نجد التى عاش بها رائدهم محمد بن عبدالوهاب، منذ قرنين. (2) ليس تملقاً ل«السيسى» أو تزلفا للحكم العسكرى على الجانب الإيجابى، وربما الوحيد، لنا أن نشكر حكم اليمين المتأسلم على أن حكمهم قد كشف، من عجينة امتزاج شعب مصر وقواته المسلحة السخية، فى شخص الفريق عبدالفتاح السيسى زعيماً يجدد أمجاد الوطنية المصرية. ولو استمروا فى الحكم خمس سنوات لكشف طغيانهم وظلمهم عن آخرين مثله لا ريب يقومون ضد الفاشية وإهدار الإرادة الشعبية. ويزيدنا تقديراً للفريق السيسى أن أقسم فى الخطاب نفسه على أن حماية إرادة الشعب أعز عند القوات المسلحة وعنده شخصياً من شرف حكم مصر. ونتمنى أن يحترم الفريق السيسى تعهده المعلن بأن تحترم القوات المسلحة إرادة الشعب التى عبّر عنها فى الثورة الشعبية العظيمة، بموجتيها الكبيرتين فى يناير 2011 ويوليو 2013، بإقامة دولة مدنية عصرية، لا دينية ولا عسكرية، تساوى بين جميع مواطنيها فى المواطنة. ما ينطوى على ألا تسعى القوات المسلحة لإقامة حكم عسكرى فى مصر. فإن لم يحافظ الفريق السيسى على وعوده تلك فسيخسر كثيراً من شعبيته، وستخسر مصر كلها فرصة لإقامة الحكم الديمقراطى السليم كمدخل ضرورى للنهضة الإنسانية الكفيلة بنيل غايات الثورة الشعبية فى الحرية والعدل والكرامة الإنسانية. فأول ما يفسد الحكم العسكرى هو مناخ الحرية ويقوض من ثم أسس الحكم الديمقراطى السليم. فالعسكريون، لأسباب تتعلق بأسلوب تعليمهم وتدريبهم وعملهم المنتظم، يجبلون على الانصياع والطاعة ولا يتصورون إلا تنظيماً هرمياً جامداً يقوم على الأمر والنهى من الأعلى والتسليم المطلق من الأدنى. وهذه، كما لا يخفى على حصيف، قيم وأنماط سلوك لا تتوافق مع التنظيم الديمقراطى للمجتمع الذى يضمن حق الاختلاف والمعارضة واحترام الرأى الآخر سبيلاً لضمان المصلحة العامة. ولذا فليس من غرابة أن يتصرف الحكم العسكرى عادة وكأن الحرية والديمقراطية بدع من فعل الشيطان. أما إن أوفى الفريق السيسى بعهده، ونجحت المرحلة الانتقالية الثانية فى تأسيس الحكم الديمقراطى السليم فى مصر كمقدمة ضرورية للنهضة الإنسانية، فسيولى التاريخ للرجل مكانة مشرفة بين بناة مصر الحديثة.