قرار الرئيس مرسى بعودة مجلس الشعب والطعن عليه، هو صراع سياسى بامتياز يدور بين العسكر والإخوان، استخدم فيه الطرفان أسلحة القانون والقضاء وتحريك المظاهرات وشراء ذمم بعض فقهاء القانون والنواب وشخصيات محسوبة على القوى المدنية والإسلامية. وأدخل هذا الصراع البلد فى حالة غريبة من العك القانونى والتشريعى والإعلامى، كان لها عديد من النتائج والتداعيات السلبية على عملية التحول الديمقراطى والاستقرار فى مصر، لعل أهمها: 1- صعوبة التزام العسكر والإخوان بالتفاهمات التى جرت بينهما قبل الإعلان عن فوز مرسى، وهى نتيجة متوقعة، حيث كان من المفهوم أن كل طرف سيسعى لزيادة نصيبه من السلطة، لكن المفاجأة كانت فى سرعة بداية الجولة الأولى فى الصراع والذى يبدو أنه سيستمر وتعقبه جولات كثيرة على حساب مصلحة البلد وأولويات المصريين. 2- أن المجلس العسكرى والإخوان غلّبا مصالحهما الضيقة على حساب مصلحة الوطن ومعاناة المصريين، كما أن مخاوف أو كراهية بعض القوى المدنية والقضاة دفعتهم لاتخاذ مواقف غير ديمقراطية، بل وحولتهم لأسلحة يستعملها العسكر ضد الإخوان. فى المقابل أيد بعض الثوار الإخوان من دون ثقة فى استمرار صدامهم ضد العسكر، أو تطور موقفهم من الحريات. 3- تفخيخ العلاقة بين سلطات الدولة، وإقحام القضاء فى الصراع السياسى بصورة فجة ومباشرة تؤثر بالسلب على مكانته ومصداقيته، وتكفى هنا الإشارة لإنذار نادى القضاة للرئيس، وتورط المحكمة الدستورية فى حكم يلغى قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب. 4- تعميق الاستقطاب والانقسام بين المجلس العسكرى والإخوان، وبين القوى المدنية والإسلامية، وبين الشرعية الثورية والشرعية القانونية. والمفارقة أن الإخوان كانوا أول من أعلن انحيازه للشرعية القانونية واستفادوا منها، ودعوا لتغليب شرعية الانتخابات والبرلمان على شرعية الثورة والميادين، لكنهم عادوا مؤخراً لاستخدامها ضد المحكمة الدستورية فى سلوك مزدوج وانتهازى يحتاج لتوضيح وحسم فى الموقف، فهل الشرعية القانونية مقبولة عندما تعمل لصالحهم، ومرفوضة عندما تتعارض مع مصالحهم؟ وأتصور أن الإخوان إذا كانوا جادين فى الانتصار للشرعية الثورية فإن عليهم إسقاط الإعلان الدستورى المكمل لأنه هو الأهم فى معركة الديمقراطية، وطرح حل البرلمان للاستفتاء العام. 5- إرباك الرأى العام فى تفسيرات قانونية ودستورية متناقضة صدرت عن قضاة وقانونيين، أعتقد أنها قللت من هيبة القانون نفسه، حيث بدا كأنه وجهات نظر سياسية تكتب فى لغة قانونية، أى إن السياسى يوظف النصوص القانونية فى الصراع السياسى، تماماً كما يوظف التيار الإسلامى بعض النصوص الدينية لتحقيق مكاسب سياسية، ما يعنى أننا أمام عمليات تأويل وتوظيف لنصوص قانونية أو دينية بحسب مصلحة كل طرف وعملية التأويل وظروفها. 6- إذا أضفنا الغموض والضبابية لحالة إرباك الرأى العام فإننا إزاء وضع معقد يدفع بكثير من المصريين إلى الكفر بالسياسة، والانسحاب من المجال العام، فلا وقتهم أو تعليمهم أو خبراتهم تسمح بأن يتابعوا كل هذا العك القانونى والمعارك التفسيرية، وبالتالى أتوقع استمرار ظاهرة العزوف السياسى التى عانينا منها فى عصر المخلوع، وكنا نأمل فى القضاء عليها بعد الثورة لكن عيوب المرحلة الانتقالية أبقت على الظاهرة، وربما تغذيها، فلا يمكن أن نتجاهل دلالة عدم مشاركة 48% من المصريين فى الانتخابات الرئاسية. 7- النقص المتزايد فى المعلومات وفى الكشف عن أهداف ونوايا أطراف الصراع السياسى، فلا أحد يعرف مضمون التوافقات بين العسكر والإخوان أو الأسباب التى تفسر سلوك الرئيس مرسى عندما أعاد مجلس الشعب وعندما أعلن احترامه لحكم الدستورية بعدم جواز عودته. والمفارقة أن هذا النقص يحدث فى ظل فائض فى قنوات الاتصال والإعلام، والزيادة الكبيرة فى ساعات البث التليفزيونى المخصصة لمتابعة وشرح ما يدور فى ساحات القضاء ودوائر الحكم والسياسة.