بدا الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن هادئاً واثقاً من نصر أتاه فى حرب لم يخض كل معاركها، بدا الرجل منتشياً فقد خضع لإرادته كل خصومه.. حماس انكسرت أو كادت تنكسر بعد خسارتها حليفها الرئيسى فى مصر بانهيار نظام مرسى، نتيناهو غريمه التقليدى دخل من جديد لعبة التنازلات ومنحه قبلة الحياة بقرار الإفراج عن 104 من عمداء الأسرى ويتفاوض معه الآن على 250 آخرين، يحاجج بهم أبومازن خصومه فى حماس ولسان حاله يقول لهم: ألم أقل لكم يمكننا أن ننجز بالتفاوض والسلمية ما تزعمون أنتم أنه لن يحدث سوى بالبندقية؟ الأمريكان تحملوا مسئولية نجاح المفاوضات التى تجمدت الدماء فى عروقها ثلاث سنوات كاملة. أبو مازن قالها بوضوح «الأمريكان يريدون إنجاح المفاوضات وأوباما وعدنى بإنجازها».. صمت قليلاً وقالها ضاحكاً هازئاً «بالأمس كانوا يتظاهرون ضدى ويسبوننى لأننى بدأت المفاوضات» صمت لبرهة وعاد ليقول «سنسير فى الطريق لآخره فإما نحصل على ما نريد أو ننتظر عاماً أو اثنين، لنا أكثر من ستين عاماً منتظرون».. يراوغ الرجل إذن، ويقول لشركائه على مائدة التفاوض: لن أهرول ناحيتكم، إما أن تعطونى ما أريده كاملاً وإلا فلا، يدرك أن الزمن الآن فى صالحه والوقت أصبح وقته، حماس تنهار، وأوباما يريد أن يحقق أية مكاسب تساعده وحزبه بعد سلسلة خسائر منى بها خاصة بعد انهيار رهانه على الإخوان والإسلاميين، فشل المخطط الأمريكى لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط كانت تعتمد على فرض النموذج الإسلامى على المنطقة بتنصيب الإخوان المسلمين بمصر وإسقاط أبومازن وفتح فى الضفة وسيطرة حماس على السلطة الفلسطينية، بعد تعهدهم بضمان أمن إسرائيل، وتنصيب الإسلاميين فى سوريا بعد إزاحة نظام الأسد، لكن المشروع الأمريكى صدم بسيطرة القاعدة على الأرض فى سوريا وانهيار مرسى وإخوانه وفشل مشروعه ومخططه ليصب فى مصلحة آخرين كان على رأسهم أبومازن الذى حصد معظم الغنائم، نجا من حملة تشويه منظمة وملفقة قادتها ضده حماس وإسرائيل بتسريب أوراق تتهمه وأسرته بالتورط فى صفقات وتجاوزات مالية، مررتها على مسئولين عرب وأوروبيين من أجل تشويهه، لكنه كعادته كمن قليلاً ثم هب ليدحض كل الأوراق التى زوروها ضده بعناية فائقة، هكذا هو أبومازن كعفريت العلبة كلما ظننته ضعيفاً مستسلماً هب أمام خصومه قوياً متمكناً. خلع الرجل رداء اليأس الذى كان يرتديه منذ عام ونصف تقريباً، كان وقتها منهكاً مستسلماً، بدا كالملاكم على وشك إلقاء القفاز.. لكنه كالعادة صلب شديد المراس رغم الوداعة والبسمة التى لا تفارقه.. الآن عاد الرئيس قوياً صلباً واثقاً من نصره.