قال جيفرى كوزنز، المستشار السابق للجيش الأمريكى فى شئون الجماعات المتطرفة فى الغرب، إن تفجيرات بوسطن البُدائية تحمل بصمات تنظيم القاعدة، وهى على الأرجح جزء من «حرب الاستنزاف» التى تشنها القاعدة على الغرب، فالقنبلة تتكلف 4200 دولار فقط، لكنها تكبد الولاياتالمتحدة مليارات الدولارات فى الإجراءات الأمنية التى تعقبها. واستبعد كوزنز، الذى يشغل رئيس مركز «وايت موينتن» للحلول الأمنية ومكافحة الإرهاب، أن تكون هذه التفجيرات بداية لموجة إرهابية جديدة فى الغرب، لأن أجهزة الاستخبارات العالمية باتت أكثر قدرة على اكتشاف وإجهاض مخططات القاعدة، كما أن الدعم الذى يحظى به المتطرفون من المجتمعات المسلمة محدود للغاية. * ما انطباعاتك الأولية عن تفجيرات «بوسطن»؟ - علينا أن نكون حذرين فى أى استنتاجات بشأن هذه الجريمة، لأن التحقيق ما زال فى بداياته، وأى تكهنات لا أساس لها يمكن أن تقودنا إلى مسار خاطئ. وعلى الرغم من ذلك استناداً إلى المعلومات المتاحة وطبيعة الهجمات وأهدافها، يمكننا أن نشير إلى عدة أمور بشكل مبدئى؛ أولاً: إذا كانت الهجمات الإرهابية شكلاً من أشكال الاتصال فإن «رسالة» هجمات بوسطن تحمل العلامة التجارية لتنظيم القاعدة والتنظيمات الفرعية التى تتبنى أساليبها، والقاعدة والجماعات التابعة لها يحاولون تبرير ضرب الأهداف المدنية بمبدأ: «يقتلون مدنيينا وسنقتل مدنييهم»، ورأينا جميعاً العواقب البشعة لهذا المنطق المشوه من سيناء إلى مدريد، ومن لندن إلى بغداد، ومن تولوز إلى بوسطن. وعلى عكس الأهداف التقليدية لجماعات «اليمين المتطرف» فى الولاياتالمتحدة وأوروبا، التى عادة تستهدف رموزاً وأشخاصاً مرتبطة بالحكومة الأمريكية، فإن هجمات بوسطن استهدفت مواطنين عزلاً من جميع الأعراق والجنسيات، وهو ما سبق أن فعلته القاعدة وأتباعها مرات عديدة من قبل. ثانياً: حتى لو أن تنظيم القاعدة لم يكن متورطاً مباشرة فى الهجمات، فيمكن أن تُقرأ من خلال استراتيجية القاعدة المعروفة ب«الموت بألف جرح»، التى تشجع على تنفيذ عمليات صغيرة ومتكررة ضد أعدائها بهدف استنزافهم، وهذه الاستراتيجية تعد تغييراً رئيسياً فى أسلوب التنظيم الذى كان يفضل فى بداياته العمليات المدوية. وعبّر أحد قادة التنظيم فى اليمن عن هذا التوجه فى مقال نشروه على مجلتهم «انسباير»، التى تصدر باللغة الإنجليزية على الإنترنت، عام 2010؛ ففى أعقاب محاولة فاشلة لإسقاط طائرات شحن باستخدام قنابل مخبأة فى خراطيش طابعات (عرفت وقتها باسم «عملية النزيف»)، كتب أحد زعماء القاعدة أن «القنبلة تتكلف فقط 4200 دولار لقتل الطيار ومساعده فقط، لكنها ستكلف الاقتصاد الأمريكى مليارات أخرى فى الإجراءات الأمنية بعد الهجوم»، وبما أننا نعلم أن نشرات القاعدة ودعاتها الناطقين باللغة الإنجليزية لعبوا أدواراً تحريضية لإقناع شباب من دول غربية لا ينتمون تنظيمياً للقاعدة للقيام بهجمات سابقة، فليس مستبعداً اعتبار هجمات بوسطن أحد تطبيقات استراتيجية «الموت بألف جرح». ثالثاً: كل ما ورد فى التقارير الإعلامية عن تفاصيل الهجوم يحمل بصمة التنظيم وشخصيته، فالهجمات متعددة ومتزامنة، والقنابل مصنوعة بنفس الأساليب التى تدرس فى معسكرات تدريب كوادر القاعدة فى آسيا الوسطى، ومتاحة على نطاق واسع عبر الإنترنت بما فى ذلك منتديات المتطرفين، وشظايا القنابل كانت معدة بلا شك لتشويه وقتل أكبر عدد ممكن، كما أن حمل المتفجرات فى أكياس يشبه إلى حد كبير هجمات مدريدولندن. وإذا كشفت التحقيقات عن تكتيكات وتقنيات جديدة، فلا يجب أن ننسى أبداً أن الإرهابيين يطورون أنفسهم وأساليبهم، لأنهم إذا لم يطوروا من أدائهم فسيخاطرون بالوقوع فى أيدى أجهزة الأمن. أيضاً ليس هناك ما يحمل مفاجأة كبيرة فى تفاصيل عملية بوسطن، إذا ما نظرنا لتاريخ عمليات الجماعات المتطرفة ضد أهداف غربية، فمرتكبو تفجيرات لندن كانوا شباباً مثاليين، ثم لعبت عوامل متعددة لاستقطابهم تدريجياً وتحويلهم إلى إرهابيين فى غفلة من ذويهم، بعد اختلاطهم بمتطرفين أجانب ومحليين، وهو ما يمكن أن تكشف التحقيقات عن انطباقه على الشابين المشتبه فى تورطهما فى التفجيرات. * هل تعتقد أن هجمات بوسطن حادثة معزولة أو أنها بداية لموجة جديدة من العمليات الإرهابية؟ - نعتقد أنها حادثة معزولة. ومع ذلك علينا أن ندرك أن قادة تنظيم القاعدة والدعاة الموالين له يشجعون الشباب على العمل بشكل مستقل عن هياكل التنظيم الرسمية، وتشير الهجمات المختلفة فى الولاياتالمتحدة وأوروبا بوضوح إلى هذا الاتجاه على مدى السنوات الخمس أو الست الماضية، وفشل معظم محاولات القاعدة داخل أمريكا منذ عمليات 11 سبتمبر 2001 لا يعنى أنهم توقفوا، ولكن يعنى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية أصبحت أكثر قدرة وحرفية فى إجهاض محاولاتهم، وهو مؤشر على نجاح التعاون الدولى فى الحرب على الإرهاب، والدعم المحدود جداً الذى يحظى به هؤلاء المتطرفون من داخل المجتمعات المسلمة. أخبار متعلقة: الإرهاب يضرب «بوسطن» والتداعايات تصيب «القاهرة» المدير السابق لوحدة مكافحة الإرهاب الأفريقى بالبنتاجون ل«الوطن»: مصر تحولت إلى «محطة ترانزيت» للجهاديين