مصر تنفق على الخرافة أكثر من دخل قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج، من فك الأعمال إلى الزار إلى نصابين الأعشاب ودجالين بول الإبل إلى ربط العريس وعلاج العروسة الممسوسة بالرقية والتعاويذ.. إلى آخر كل هذه الأساطير التى تستنزف الجيب المصرى ومن قبله العقل المصرى، المأساة والكارثة أن العقل المصرى يرفض أى تفسير علمى لأى ظاهرة ويصارع بل ويجرس من يحاول مجرد محاولة أن يرجع أى ظاهرة خرافية لأساس علمى وكأننا ما زلنا نعيش مأساة طبيب العيون بطل قصة يحيى حقى «قنديل أم هاشم»، أقول هذا بمناسبة الخبر الذى قرأته فى جريدة «الوطن» عن ظهور حرائق متعددة فى فرشوط مما جعل أهلها يتجهون إلى المساجد للتكبير طرداً للعفاريت! مما ذكرنى بهتاف «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف» الذى هتف به المصريون ضد قنابل الحملة الفرنسية، لم يفكر هؤلاء فى تخصص العفاريت الصعيدى وقصر أنشطتهم فى جنوب الوادى وفى الأيام الحارة بالذات، لم تحدث إدانة منهم للجهل وللفقر ولغياب الصرف الصحى الذى هو السبب الحقيقى لهذه الحرائق أو فلنقل إنه العفريت الحقيقى، غياب الصرف الصحى جعل أهل قرى الصعيد يحفرون آباراً بدلاً من مواسير الصرف الصحى الحضارية، هذه الآبار هى ديناميت من غاز الميثان الذى من الممكن مع الحرارة الشديدة وهواء وقش.. الخ أن يتسبب فى حريقة واتنين وتلاته!، بالطبع هذا التفسير مرفوض من أهل القرية وغالباً من معظم الصعيد، ببساطة مرفوض لأنه يقلص ويقزم دور الخرافة وهنا تكون الكارثة للسياسيين وغيرهم ممن يتكسبون من الخرافة التى تجعل معتنقيها قطيعاً مطيعاً غير متمرد من السهل أن تزرع فى مخه أى فكرة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تخريفية، من الممكن أن يقال له سياسياً إن هناك نهضة يديرها فاشلون ويصدق، من الممكن أن يقال له اجتماعياً إن زواج الطفلة سترة ويصدق، من الممكن أن يقال له اقتصادياً إن الصكوك هى الحل وإن اقتصاد البركة والبقالة هو طريق السلامة ويصدق وينتخب وينجح مروج الخرافة هناك برغم الظروف اللا إنسانية التى يعيشها الصعيد، الخرافة حل سهل وتفسير جاهز لا يحتاج جهداً ولا يشغل خلايا ولا يستنفد طاقة، أما العلم فهو على العكس حل مجهد يحتاج طاقة ومن الممكن أن يكون حله جزئياً لزاوية من المشكلة وليس كل المشكلة ولكنه الحل الوحيد الذى يمتلك الأساس الصحيح، والغريبة أن المصريين وليس الصعايدة فقط يحتفون بكل ما هو تخريفى ويغضون الطرف عن كل ما هو تفسير علمى عقلى، شجرة مبروكة على طريق الإسماعيلية يهرولون إليها للتبرك لمجرد أن عليها لفظ الجلالة وهو بالطبع محفور من عابر سبيل بمطواة! ولا يحتفون بأشجار وثمار وزهور ومحاصيل كان يسعى إلى زراعتها الراحل العظيم أحمد مستجير بالهندسة الوراثية مستخدماً فى الرى مياه البحر المالحة! الحياة اختيارات ومصر اختارت الخرافة.