إذا كنا نعيش فى مصر الآن عصر سيادة التفكير الخرافى والغيبوبة والدجل وكراهية العلم، فهل سيواجه الإعلام كل هذه الخطايا والكوارث بمزيد من ترسيخ الخرافة وترويج الدجل؟!، هل دور الإعلام هو مسايرة مزاج الأغلبية التى تؤمن بالجن والعفاريت والأعمال والأحجبة والربط والزار والخزعبلات، أم أن دوره هو التغيير والثورة على هذا الجهل ودعم المنهج العلمى والتفكير النقدى؟!، هل دوره هو إغراق المجتمع فى المزيد من الغيبوبة أم دوره هو إيقاظنا من تلك الغيبوبة؟، المشكلة هو أن هناك عرفاً سائداً فى الإعلام الآن اسمه «عايزين حلقة سخنة»، وفى سبيل هذه السخونة، من الممكن التضحية بأى شىء، التضحية بالعقل أو بالسمعة أو بالمنطق أو حتى بالشرف، المهم أن تخرج الحلقة ساخنة، أحياناً يخترع صناع البرنامج تمثيلية مصنوعة مفبركة، ويا سلام لو صفع ضيف الضيف الآخر بالقلم أو ضربه «شلوت» أو قذف فى وجهه بالكوب فأحدث له عاهة مستديمة، هنا يكون البرنامج ناجحاً وفى منتهى السخونة!. شاهدت برنامجاً على إحدى الفضائيات يعشق هذا النوع من السخونة المفتعلة والفبركة المتعمدة، طمعاً فى نسبة مشاهدة عالية على جثة العقل والمنطق، استضافت المذيعة رجلاً قالت عنه إنه دفن واستيقظ من القبر، ظل الرجل يحكى كيف دفن، وماذا رأى بعد يقظته، والعفاريت التى أمسكت بسيقانه فأصبحت منتفخة شاحبة ومست أظافره فجعلتها كالمخالب!!، المهم أن المذيعة أبدت فزعها ورعبها من منظر سيقانه وأظافره وطلبت من الكاميرا أن تدخل زووم على سيقان الضيف التى من فرط حماس الموسيقى التصويرية المصاحبة تخيلت أننى سأشاهد سيقان «معزة» تطل من خلف البنطلون كسيقان الدجال التى شاهدها محمد هنيدى فى فيلم «جاءنا البيان التالى»!، بالطبع، أضافت المذيعة بعض بهارات التسخين من الشطة والفلفل البرامجية التى تتقنها مثل الدموع وتسول العطف ومغازلة مشاعر البسطاء والسذج، ولأن الناس عايزة تصدق هذا التخريف، ولأن المذيعة لا يهمها إلا سخونة الحلقة، ولأن القناة لا تبغى إلا الربح، ولأننا نعيش أسوأ وأردأ عصور الجهل والتخلف، من أجل كل هذا، صدق الناس وأضافوا إلى جهلهم جهلاً وخيبة وغباء وغيبوبة. فى النهاية، طلع الرجل اللى شدوه العفاريت نصاب، ولا أعرف هل كانت المذيعة العظيمة تعرف أم لا؟، المهم الحلقة طلعت سخنة والمذيعة طلعت حلوة والناس كلموها فى التليفون وهنأوها، لكن البشر المغيب الغلبان اللى قاعد قدام التليفزيون فمليون طظ فيه وفى من يبحث عن ثقب إبرة ينفذ منه ضوء العقل، ألم تسأل المذيعة التى تبحث عن الجن والعفاريت ليل نهار نفسها: ماذا سيستفيد الناس من هذا الهراء الذى تقدمه؟، لماذا تلهث وراء هذه الأفكار الساذجة البهلوانية الخرافية بهذا الإصرار والإلحاح؟، هل هو المال؟، هل هى الشهرة؟، أرجو من كل من يفشل فى مجال التمثيل أن يتركنا فى حالنا ولا يمثل علينا فى برامج الفضائيات. يا أيتها السخونة المزعومة كم من الجرائم ترتكب باسمك. [email protected]