في فجر أحد أيام الصيف الماضي، داهمت الشرطة حي رملة بولاق الفقير في وسط القاهرة، واقتحمت منازل مبنية بالطوب اللبن وضربت النساء والأطفال واستولت على أموال وهواتف واعتقلت كثيرًا من الذكور في سن العمل. وقالت كريمة أحمد وهي أم لستة أبناء أصيب زوجها في الساق برصاصة ضابط شرطة قبل بضعة أيام من المداهمة "لم يتركوا شيئا"، وأضافت أن الشرطة اعتقلت ابنها البالغ من العمر 14 عامًا وكسرت أسنانه في أحد اقسام الشرطة. كان الاحتجاج على الأساليب القاسية للشرطة قبل نحو عامين، أشعل فتيل الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. لكن إصلاحيون يقولون إن الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها والتي دفعته إلى السلطة في يونيو لم يغيرا القواعد التي تحكم وتنظم عمل قوات الأمن. ويقولون إن الشرطة ربما أصبحت أكثر عدوانية. وقال كريم عنارة، المطالب بإصلاح الشرطة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومقرها القاهرة "إنه لم تحدث أي إصلاحات". وأضاف أن الوضع يزداد سوءا وإن هذا يتضح من أعداد وأنماط حوادث العنف الجديدة التي قال إن الشرطة تتصرف فيها كعصابة مسلحة. وأضاف عنارة، إن حوادث مثل واقعة رملة بولاق التي قال شهود عيان ونشطاء إنها بدأت بعدما قمعت قوات الأمن احتجاجات على مقتل أحد السكان برصاص ضابط شرطة تكررت في مختلف أنحاء البلاد خلال العامين الماضيين. وتابع: "الشرطة أحرقت سيارات وأطلقت النار عشوائيًا أواخر العام الماضي في منطقة بمحافظة المنيا جنوبي القاهرة بعد مقتل ضابط في تبادل لإطلاق النار بين عائلتين متناحرتين، وقبل بضعة أشهر من ذلك عذبت الشرطة رجلا حتى الموت في مركز تابع لها في مدينة ميت غمر بدلتا النيل ثم أطلقت النار على حشد كان يحتج على وفاته فقتلت شخصا آخر. وفي فبراير، جرى تصوير فيديو لأفراد من الشرطة يجرون رجلا شبه عار على الأرض ويضربونه أمام قصر الرئاسة، وبثت قنوات تلفزيونية المشهد على الهواء مباشرة. كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي تولى وزارة الداخلية لفترة وجيزة بعد ثورة 1952، استخدم الشرطة لمراقبة وتقويض واعتقال معارضيه السياسيين واحتواء الاحتجاجات بعد الهزيمة في حرب 1967. استمر نفوذ الوزارة في التزايد في عهد خليفته أنور السادات ثم حسني مبارك الذي استخدمها في سحق متشددين إسلاميين في التسعينات وقمع احتجاجات على ارتفاع الأسعار في السنوات التي سبقت سقوط حكمه. ومع تنامي هيمنة الوزارة اتسعت ثقافة الإفلات من العقاب، وبات التعذيب أمرًا معتادًا في السجون المصرية حيث يقول بعض المؤرخين إن وحشية الشرطة دفعت بعض الإسلاميين إلى انتهاج مبادئ متشددة وتشكيل تنظيم القاعدة. وفي اليوم الرابع من الانتفاضة ضد مبارك، شارك آلاف المصريين في احتجاجات بعد صلاة الجمعة وتم إحراق عشرات من أقسام الشرطة، وانسحبت الشرطة من الشوارع في المساء وسيطر الجيش على البلاد. وتقول الشرطة إنها أنهكت وأهينت بسبب الثورة التي جردت أفرادها من الهيبة التي يربطونها بعملهم وجعلتهم هدفًا لاحتجاجات عنيفة، وتقول إنها غيرت الطريقة التي تنفذ بها عملها. وقال اللواء هاني عبداللطيف، المتحدث باسم وزارة الداخلية، إن اي نظام في الماضي كان يستغل الشرطة وإنها كانت تتدخل في الحياة السياسية. وأضاف أن هذا كان هو الحال على مدى مئات أو آلاف السنين قبل الثورة لكن الثورة أطاحت بالدولة البوليسية. وتابع "إن الشرطة تغيرت بشكل جاد وإن دورها الآن هو تأمين المواطن لا تأمين النظام". ومضى يقول وهو يعرض جدولاً مطبوعًا إن 176 شرطيًا قتلوا وأصيب أكثر من 7000 منذ الثورة في 2011، وقال إن الحدود مشتعلة وإن المشاحنات بين السياسيين تؤجج الاضطرابات في الوقت الذي زادت فيه جرأة المجرمين. وأضاف المتحدث باسم الوزارة، إن الشرطة تؤدي مهامها بشكل جيد بالنظر إلى الأجواء بالغة الصعوبة التي تعمل فيها. لكن نشطاء ودبلوماسيين يقولون إن الوزارة تقاوم ضغوطا وجهودا من خارجها للمساعدة في تنفيذ إصلاحات. وقال دبلوماسي أمريكي كبير "من المؤكد أن عشرات السفارات.. بالمعنى الحرفي للكلمة.. عرضت المساعدة في تدريب شرطة مكافحة الشغب وتزويدها بالمعدات ومساعدتها على العمل باحتراف. وأضاف "تقول الشرطة.. سنرد عليكم." وأقر وزير الداخلية محمد إبراهيم هذا الشهر بوجود مشكلات داخل الشرطة، لكنه قال إنه سيتم حلها داخليًا. وإلى حد ما تبنى مرسي وزعماء الاخوان المسلمين حجج وزارة الداخلية منذ فوزه بانتخابات الرئاسة. وكان الحديث عن إصلاح الشرطة حاضرا بشكل منتظم في خطابات مرسي في حملته الانتخابية. ويقول حاليا إن الدولة بحاجة إلى الاستقرار قبل اتخاذ إجراءات مهمة. وقال عصام حداد مستشار الرئيس للأمن القومي إن إصلاح الشرطة سيستغرق وقتا. وأضاف أن هناك من يحاولون زعزعة الوضع في الوقت الحالي بدلا من السعي للاستقرار. ويفسر نشطاء، التغير في خطاب جماعة الإخوان المسلمين بأنها تريد الهيمنة على الوزارة، وليس إصلاحها أو أنها على الأقل تريد تجنب صراع معها في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية حساسة. وفي هذا السياق، قال عنارة إن الجماعة تتفادى على ما يبدو إصلاح الشرطة. وأضاف: "إن الجماعة تعتقد أنها تحكم شعبا لا يمكن السيطرة عليه وتعلم أن برامجها الاجتماعية والاقتصادية لن تضمن رضى أغلبية المواطنين. وتابع :"إن أوليتهم هي السيطرة ولهذا لا يريدون إرباك الشرطة". غير أن السيطرة الكاملة على قوة الشرطة ستشكل مهمة مضنية أمام الإسلاميين، حيث ترتاب الشرطة بشدة في جماعة الإخوان المسلمين التي راقبوها وسعوا لتدميرها على مدى عقود. وقالت داليا يوسف التي تدير مؤسسة لاستشارات المخاطر ومبادرة لإصلاح الشرطة: "إن الضباط تدربوا على اعتبار الإخوان تهديدا للأمن القومي. وأضافت "كانت مهمتهم تتمثل في اعتقال أفرادها، والآن يتعين عليهم العمل تحت سلطتها. وتابعت: "من الصعب للغاية على ضابط بالشرطة أن يتعامل مع هذا." ونظم ضباط صغار ومجندون احتجاجات في الشهور القليلة الماضية، وزادت جرأتهم في الضغط لتحقيق مطالبهم من خلال التحرك الجماعي بعد الثورة، ويطالب كثيرون وزير الداخلية بالاستقالة لأنهم يشعرون أنه قريب أكثر من اللازم من الإخوان. والحديث عن إصلاح الشرطة يبدو مسألة نظرية بالنسبة لأهل رملة بولاق، وغيرهم في مئات الأحياء الفقيرة في مختلف أنحاء مصر يرى الكثيرون أن وحشية وفساد الشرطة وإفلاتها من العقاب أمر متأصل. ولا تؤدي الشرطة في مصر إلا القليل من المهام الموكلة عادة إليها في الدول الغربية مثل الحراسة والتحقيقات الجنائية وتنفيذ القانون، وبدلا من ذلك عادة ما ينفذ المحليون تلك المهام من خلال لجان غير رسمية. وقال أنور رمضان زوج كريمة إنه لا أحد في المنطقة يذهب إلى الشرطة إذا وقعت جريمة. وأضاف "نجتمع ونتدبر الأمر. لا أحد يثق في الحكومة. لا أحد على الإطلاق." ويشير هذا إلى أن إصلاح الشرطة سيعتمد على تغييرات أوسع في الطريقة التي تعمل بها البلاد. وأحد أكبر المعوقات هو التفاوت في الثروات في مصر وهو مالم تغيره الثورة بدرجة تذكر.