يدور جدل كبير الآن فى الشارع السياسى المصرى، حول هل نحن ما زلنا فى مرحلة ثورية أم أننا على أعتاب مرحلة سياسية وعلينا أن نودع العمل الثورى؟ وفى تصورى الشخصى المتواضع أننا لا بد أن نزاوج بين المحورين، فلم تمنع السياسة يوماً ما ثورة، ولم تفض ثورة إلا إلى عمل سياسى!! جيل يناير يهوى المواجهات ولا يرى السكون حلاً، إنه جيل غيّر التاريخ ومن السهل عليه أن يضع جغرافيا جديدة للحياة السياسية، وبالرغم من أننى أرى أنه حينما اتخذت جبهة الإنقاذ قرارها بمقاطعة خوض الانتخابات، كانت تمتلك الحكمة لحزم مكونات الجبهة والحفاظ عليها من التشرذم، ولفرض إرادة مهمة للمعارضة تقول إنها لن تلعب مرة أخرى على ملعب الخصم، وإنه من حقها أن تشارك فى إعداد الملعب وأن تلعب على أرضها أيضاً وبالمناوبة، تجنباً لتجربة الماضى التى لعب فيها الجميع على أرض الحزب الوطنى، ولم تجن مصر إلا خسارة فادحة، فإنها يجب أن تنظر مع كل ذلك بعين الحكمة أيضاًً لجيل يتطلع للمشاركة فى بناء وطنه، وهنا يلح السؤال المهم الذى يدور الآن وبعمق، وماذا بعد المقاطعة؟ وأين ستذهب طاقات شباب يناير؟ لا أنتظر الإجابة هنا بذكر خطط المقاطعة، أو ما يسمى بحملات المقاطعة، لأننا نريد أن نخرج من إطار (الحملات السلبية) التى تخاطب بها المعارضة الجماهير فى كل مرة، فكانت دعوات التصويت فى الاستفتاءات ب(لا) صورة حية لتلك الحملات التى باءت للأسف بالفشل ولو نسبياً، برغم إبراز مساوئ الإعلان الدستورى للمجلس العسكرى ودستور الإخوان، فإن الحملات السلبية ما زالت بعيدة عن مرمى التهديف فى مصر، إلا أننى تذوقت تجربة النجاح فى حملات انتخابات الشعب فى 2011، وكانت نتاج تحركاتنا الإيجابية الحماسية، فلقد حققت نتائج الانتخابات تلك مقاعد تفوق عمر التجربة السياسية للأحزاب وعمقها، وحصدت القوى المدنية ربع مقاعد البرلمان، وفى ظل ظروف مادية صعبة، وضيق الوقت، وتصويت تعويضى لجماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسى عن فترات القمع التى كابدوها فى السابق، بالإضافة لقطاع صوّت لتجربة الإخوان واكتشافهم، ولقد كشفت تلك التجربة المريرة للإخوان عن ضعف التجربة السياسية وهزال تجربة القيادة! الشاهد هنا أنه لا يكفى تجنيد طاقة شباب مصر الثورى العفى فى حملة مقاطعة الانتخابات!! لأن أمل شعبنا فينا بعد ثورتنا الفتية أكبر بكثير، وعلى الجبهة أن تتخذ خطاً ثورياً يتم التنسيق فيه بين كل أحزابها وقواعدها فى المحافظات لمعاودة النزول بطلبات الثورة فى الشارع وعدم التفريط فى أى مكتسب وعدم التضحية بأى أمل، ولابد أيضاًً من أن تتعاطى الجبهة مع طلبات المحافظات المعيشية وتقود حملات استطلاع رأى لتبنى كوادر سياسية حقيقية من كل بقاع مصر وتعبئ الجماهير لانتخابات تكون لها الغلبة فيها حتى وإن طال الأمد وتقوم بعمل تدريبات سياسية لشبابها وكوادرها وتشرع فى التدريب على الحملات الانتخابية فقد تتغير الظروف ونقرر خوضها، فمن المؤكد أن مقاطعة الانتخابات لا تمنع بناء تنظيمات حزبية قوية متشابكة! تنظيمات تتضافر فيها جهود أحزاب الجبهة لتبنى وطناً هدمه الآخرون بتنظيمهم! شباب الثورة الذى نزل ليغير مصر ينتظر فاعليات المشاركة والعمل الجماهيرى وفى نفس الوقت يتفهم قرار مقاطعة الانتخابات، ولكنه لا يريده قراراً بمقاطعة انتخابات يوأد معه جيل يريد أن يواجه المستحيل ويصرعه كما صرعه فى 25 و28 يناير قبل أن يتجرأ الآخرون على الالتحاق بهم.