مثلما تتجول الثورة بين ميدان التحرير وقصر الاتحادية وكوبرى القبة، تتجول أيضاً من فوق الأرض إلى تحتها؛ فالثوار امتد زحفهم إلى تحت الأرض، حيث مترو الأنفاق الذى أصبح موقعاً مهماً لاندلاع المظاهرات. وقف المترو على رصيف محطة كوبرى القبة، دلف شاب من الثوار إلى داخل العربة، وقال للركاب: «البلد بتروح.. اللى بننادى بيه من سنتين لسة ما اتحققش.. كل يوم أخويا وأخوك بيموتوا.. واللى بيقولوا بوظتوا البلد يعرف إن هو اللى بيخربها بسكوته»، لم يُعره مستقلو المترو الاهتمام، ظل ينبح فى صوته دون جدوى حتى هبط على رصيف محطة «المطرية». يجلس ضياء حمدى وأولاد عمومته القادمون من بنى سويف فى انتظار قطار أقل زحاما، صاحب ال21 عاما متضامن مع الثورة من يومها الأول، غير أن كثرة المظاهرات أرهقته، بالإضافة إلى إحساسه بعدم جدوى الأمر: «بقالنا سنتين بنزعق ولا حكومة بتسمع ولا معارضة بتقدم حلول»، يقاطعه «محمد خيرى» الذى يصغره بعامين: «المشكلة أن المظاهرات ما بقتش سلمية». بملابس المدرسة يركضون، وقفوا على رصيف محطة «سعد زغلول» بعد انتهاء يومهم الدراسى، يتذكر سراج محمود وقفة الألتراس داخل المحطة قبل حكم قضية بورسعيد كأنه الأمس «كان آخر يوم امتحاناتنا.. وما عرفناش نروح بسبب العطلة»، الطالب بالصف الثالث الإعدادى ينفى عن نفسه تهمة معاداة الثورة، لكنه يردد كلمات يسمعها فى وسائل الإعلام: «هما مش بيقولوا فيه حاجة اسمها اعتصام سلمى، طب ما نعمله». يستقل إسماعيل السيد باب القطار من محطة «حلمية الزيتون» متجها إلى دار الأوبرا التى يتدرب فيها على التمثيل، تتردد أصوات الملتاعين لحقوق الشهداء على مسامعه فور مهاتفة صديق يشارك فى المظاهرات بالتحرير، يسأله جاره فى المترو: «هو فيه مظاهرات تانى»؟ يرفض الشاب العشرينى الدخول فى حوار مطول معه فيجيب باقتضاب: «بيقولوا»، أكثر ما يحزن «إسماعيل» هو عدم تضامن البعض مع التظاهرات: «الناس بيعتبروا اللى بيتظاهر بيوقف أكل عيشهم مع إنه مستعد يموت عشان حقهم فى حياة كريمة».