أخيرا، استطعت بعد معاناة ان احشر نفسي بين الركاب في عربة قطار مترو الإنفاق، بعد أن فاق، فقد تعرض المسكين لإغماءة فجائية، قيل أنها بسبب أعطال كهربائية.
وطبيعي بعد هذه المعاناة، أن يكون هذا الحدث مثار جدل وآراء وتكهنات بين راكبي المترو حول ما أصابه، إلا أنه سرعان ما انتقل الحديث الي ما أصاب مصر كلها من "خضة" قوية.
بعد أحداث العباسية الدموية، وتعددت الرؤى واختلفت الروايات، إلا أنها اتفقت جميعا علي شيء واحد، أن بلدنا في خضم خطر آت.
ليست الأزمة في أن تكون هناك اعتصامات أو مظاهرات أو احتجاجات طالما كانت سلمية، ولكن الأزمة الحقيقية في أسلوب تعامل مختلف الأطراف بعشوائية وسلبية مع مثل هذه الأحداث:
المجلس العسكري الحاكم، بدأ يضيق صدره بعد رحابته بمطالب الثورة والثوار، ويفرض علينا القرار بالإجبار، وإلا لماذا عقب كل قانون أو قرار، تهب عاصفة الثوار؟
الحكومة، سلبية "بسكوتة طرية"، لا تملك أسسا لاختيار وزرائها، أو تصدر قرارات جوهرية لإرضاء شعبها، وإن كنا نأمل أن تكون التشكيلة الجديدة ذات رؤية مفيدة.
القوي والأحزاب السياسية، تتهافت وتتصارع علي كعكة بهية، وتغليب مصالحها الذاتية علي المصالح الوطنية.
النخبة المثقفة ووجهاء القوم، أصبحوا نجوما دائمين ببرامج التوك شو والفضائيات، فقهاء وعالمون ببواطن كل الأمور، فالموضوعات تتغير وتتجدد، ولكن الضيوف لا يتغيرون ولا يتجددون.
أما الأخطر من كل ما سبق، فهي وسائل الإعلام، موجهة الرأي العام، وأغلبها يهدف بعيدا عن الأمانة والمهنية إلي تحقيق السبق، حتى ولو كان علي حساب الحق، فالمهم "تورتة" الإعلانات، وكسب ملايين الجنيهات.
لا شك أن هناك من يتربص بنا سواء داخليا من الفلول والذيول، أو خارجيا من الدول والقوي التي لا تريد نجاح ثورتنا المباركة، وما أقوله ليس بجديد، لأنه اتفقت عليه جميع الأطراف السابق ذكرها.
ويبقي السؤال:
هل أعداء الثورة يتصرفون مثلنا بعشوائية، أم بخطط مدروسة، وتنظيمات ذكية؟
قبل الإجابة علي هذا السؤال، أحب أن انوه الي إنني تعمدت الحديث عن مشكلة المترو التي كنت شاهد عيان عليها، وهي مشكلة عادية طارئة يمكن أن تحدث في أي وقت ولكن ما لفت نظري هو العشوائية في إدارة المشكلة، فقد شعرت أنه ليس هناك خطة مسبقة لمواجهة المشكلة.
لقد كان ركاب خط المرج بمحطة السادات متاحا أمامهم في وقت واحد أمرين: إما ركوب القطار من رصيف خط حلوان، أو تعديل مسارهم بركوب خط شبرا والتغيير من محطة الشهداء، بينما ظل ركاب خط حلوان - وأنا منهم – في انتظار أن يخبرهم أحد بمصيرهم.
بل حدث أن أعلن المذيع الداخلي بالمحطة عن أن القطار القادم – بعد قطارين اتجها الي المرج - سيتجه الي حلوان، ثم فجأة تغير النداء، لنعرف أن القطار سيتجه الي المرج لا حلوان.
العشوائية إذن هي الإجابة. وكلمة السر فيما نمر به من أحداث. عشوائية في القرارات، الحركات، الاحتجاجات، المظاهرات، والانفعالات، في مقابل تخطيط منظم من أعدائنا للنيل منا، واستغلال عشوائيتنا.
وليس أدل علي ذلك من الأحداث التصادمية التي شهدتها البلاد عقب الثورة، من محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب، فتنة كاميليا وعبير الطائفية.
صدامات السفارة الإسرائيلية، مسرح البالون، وأخيرا أحداث العباسية الدموية، فكل شيء كان مدروسا بدقة، من حيث الأسلوب، اختيار المكان، والتوقيت المناسب.
يبقي أن نعلم أن آخر ما تحتاجه مصرنا الآن، العشوائية، واستعراض العضلات، واثبات الذات من مختلف القوي السياسية والحركات.
بل أشد ما تحتاجه منا هو التنسيق، التخطيط المدروس، تجاوز الخلافات، والتوحد وإنكار الذات حتى لو اختلفت الأجندات، مادامت أجندات وطنية تكون هدفها أولا وأخيرا رفعة "بهية" الأبية.
* كاتب من مصر مدير التوثيق التليفزيوني "أربيا انفورم"