كيف تصل المجتمعات الحديثة إلى أنسنة وجودها باعتماد قيم المساواة والتسامح والتضامن وقبول الآخر وتجريم التمييز؟ هل هى الديمقراطية، معرفة بتداول السلطة وحكم القانون وحقوق المواطنة، التى تمكن من هذا؟ هل هو خليط من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الذى ينتج التطور الإيجابى للمجتمعات الحديثة، أم أن المساواة والتسامح والتضامن قيم تغرسها المؤسسات التعليمية والمدنية والدينية فى المجتمع ثم تتلقفها السياسة وتبلورها فى نظام ديمقراطى وضمانات للعدالة الاجتماعية؟ لهذه التساؤلات أهمية كبرى فى واقع مصرى معاصر تتعثر به صناعة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتغيب عنه أيضاً وعلى نحو موجع قيم المساواة والتسامح والتضامن. وقد بت على يقين، ودون تجاهل لأهمية النظام الديمقراطى (إن تبلور) وضمانات العدالة (إن وجدت) فى أنسنة الوجود المجتمعى على المدى الطويل، أن خطوات البداية فى مصر وثيقة الارتباط بالمؤسسات التعليمية والمدنية والدينية وبغرسها للقيم الصحيحة. مجتمع يهمش النساء ويميز ضد الضعفاء ومحدودى الدخل وتعانى نخبه السياسية والإعلامية من مرض عضال اسمه ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة ويصنع توترات طائفية متكررة، ليس للديمقراطية ولا للعدالة الاجتماعية أن ينهيا أزماته وأن يستعيدا إنسانيته بين ليلة وضحاها، فما بالنا بديمقراطية متعثرة وبعدالة اجتماعية ذات وجود ورقى؟ مناط الأمل، إذن، هو فى مؤسسات تعليمية تنشر المساواة والتسامح والتضامن، عبر مناهج وأداوت حديثة تتجاوز المحتوى الأبوى والسلطوى للعقود الستة الماضية. خطوة بداية ثانية ترتبط بالمؤسسات المدنية، الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى، التى تستطيع بقربها من المواطنات والمواطنين غرس المساواة والتسامح ومقاومة التطرف والتخلف الخانقين. وخطوة بداية أخرى تستند إلى دور إيجابى للمؤسسات الدينية التى يمكن لها، وبجانب محاربة الاتجار بالدين فى السياسة والوقوف فى وجه الإساءة إليه عبر الزج به إلى عوالم التطرف، اعتماد فهم مستنير ومتسامح ومنفتح على الآخر ومحب للقيم الإنسانية. دعونا نجعل من 2013 سنة إعادة الاعتبار للنزعة الإنسانية فى مدارسنا وجامعاتنا، سنة لقراءة رفاعة الطهطاوى وقاسم أمين وطه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وخيرى شلبى وبهاء طاهر وجمال الغيطانى. دعونا نجعل 2013 سنة لبرامج دعم المساواة وحقوق المرأة والمهمشين من قبل الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية. دعونا نطالب المؤسسات الدينية فى 2013 بتجاوز الأسوار والكف عن التسلط على المجتمع من خارجه والعودة للفعل من داخله لبناء التسامح والتضامن وحب الحق والعدل.