«فى صحة الانتخابات والعدالة وحق الإنسان، فى صحة الديمقراطية» يرفع نبيه بيه الأرابوطلى كأسه فى الهواء، ثم يهبط به ليستقر على شفتيه دون أن يرشف منه رشفة واحدة، بينما تتسلل نظراته من خلف الكأس لتستعرض الوجوه العشرة التى تحيط به وأصحابها يفرغون كؤوسهم فى أفواههم بسرعة. نفس الوجوه العشرة التى كانت تطالبه منذ قليل بإجراء انتخابات عادلة فى الواحة التى يقيمون فيها، تلعب الخمر بعقولهم فيغيبون عن الوعى، ومن ثم لا يستطيعون التفاوض حول تحقيق مطالبهم وينتصر الزعيم، ولكن إلى حين. هكذا قدَّم المخرج الراحل صلاح أبوسيف فيلم «البداية» عام 1986 عن قصة من تأليفه، ليناقش من خلالها الأفكار السياسية التى قد تستعصى على عقول البعض، كالديمقراطية والمشاركة المجتمعية والديكتاتورية التى يمثلها فى الفيلم نبيه الأرابوطلى (جميل راتب)، الذى يقوده سقوط طائرة كان يستقلها مع مجموعة من الأشخاص لأن يستقر وإياهم داخل واحة. ومنذ اللحظة الأولى يسعى «نبيه» للسيطرة على الواحة عبر عملية مقامرة. وباستخدام مسدس كان معه، وبالاستعانة بصالح (صبرى عبدالمنعم)، ملاكم عالمى، يفرض نفوذه على الجميع، ويجبرهم على أن يعملوا فى الواحة من أجله ليلاً ونهاراً، بل ويستغلهم أسوأ استغلال عندما يحرمهم من المأكل والمسكن ويستأثر بهما لنفسه، وعندما يقررون الثورة عليه مطالبين بالديمقراطية وإجراء انتخابات نزيهة، يدعوهم إلى حفل فى منزله، ويقدم لهم «عرق البلح» فيغيبون عن الوعى. وفور استيقاظهم يجدون أنفسهم فى العراء. يعلو صوت أحدهم (حسين الحكيم) يلوم قائد ثورتهم: «راحت فين الثورة يا زعيم؟ مش كانت فى إيدك؟». يرد زميله «سمير وحيد» متهكماً: «لازم اتنشلت». يفرك قائد الثورة (أحمد زكى) عينيه قبل أن يجيب: «الثورة مستمرة، وإذا كنا غلطنا أو انضحك علينا مرة، فده مش معناه إننا نيأس». وفى فيلم «الباب المفتوح» يقدم الراحل «بركات» فى عام 1963 صورة مختلفة من الديكتاتورية عن قصة للراحلة لطيفة الزيات، تختبئ هذه المرة خلف شخصية أب «يعقوب ميخائيل»، يعمل موظفاً، ويعيش وعائلته أجواء مصر فى منتصف الأربعينات، وكعادة الطبقة الوسطى فى ذلك الوقت كان الأب يحاول جاهداً أن يحافظ على صورة العائلة من الخارج فقط، يهمه ما يقوله الناس عن أفعال ابنه وابنته، ولا يهتم بما يرغب فيه الابنان حقاً، يزعجه أن تنخدش الصورة التى يحب أن يقدمها للجميع، ولذلك يقدم على ضرب ابنته الصغيرة (فاتن حمامة) ب«الشبشب» عندما تنضم لمظاهرة خرجت من مدرستها الثانوية فى مواجهة ديكتاتورية السلطة. يقمع الأب الابنة ويفرض عليها خطبة شخص لا تحبه مقابل آخر تود لو لحقت به فى نضاله مع الفدائيين بمنطقة القنال، تتحرر الابنة تماماً من سيطرة الأب عندما تقرر أن تلحق بمن اختارته هى فعلاً لا من فرضه هو عليها، وفى مشهد شديد الدلالة تندفع الابنة بكل قوتها فى اتجاه قطار يغادر إلى مدينة بورسعيد، تمتد عشرات الأيادى من داخل القطار لتلتقطها، فيما يقف الأب مشدوهاً وهو يرى ابنته تفلت من قبضته، وتفتح الباب الذى حرص على إغلاقه أمامها طوال أحداث الفيلم. وفى «شىء من الخوف» للمخرج حسين كمال عن قصة لثروت أباظة، يحكم عتريس (محمود مرسى) قبضته على قرية الدهاشنة، وينجح فى الزواج من فؤادة (شادية) دون موافقتها عبر ترهيب أبيها، ورغم قوة عتريس وسطوته اللتين مكّنتاه من فرض نفوذه على القرية وأهلها، فإنه يفشل فى الحصول على قلب المرأة التى أحبها، فترفضه وتلفظه رغم حبسه لها فى بيته، بينما المسيرات فى الخارج تطوف القرية يتزعمها الشيخ إبراهيم (يحيى شاهين)، هاتفاً: «جواز عتريس من فؤادة باطل». الأخبار المتعلقة: الديكتاتور.. ظن أنه صوت السماء فانقلب على الديمقراطية فؤاد السعيد يكتب: غياب الكاريزما.. يصيب ب«الهوس» د. أحمد عكاشة يحلل: المولود من رحم «التطرف»