هى أشبه بعلاقة «التبنى»، أو جماعة صغرى تنحدر أصولها من الجماعة الأم، فرواد حزب الوسط ومؤسسوه تربوا ونشأوا فى حظيرة الإخوان المسلمين، ورفعوا شعار «الإسلام هو الحل»، ولم ينفصلوا يوما عن الجماعة فى المواقف الثابتة والرؤى الواضحة الخاصة بالأصول والثوابت، بل أقر قادة الحزب بذلك، فقال رئيسه أبوالعلا ماضى: «سنتعاون مع الإخوان المسلمين، فإذا كنت سأقبل بالتعاون مع الاتجاهات الفكرية المختلفة فكيف أرفض التعاون مع التيار الذى ينتمى لنفس الأيديولوجية الخاصة بى»، ليؤكد أن أيديولوجية الإخوان والوسط ليست متناقضة وأن الاختلاف القائم بينهما تنوع وليس تضادا. البداية حين تقدم «ماضى»، فى شهر ديسمبر 1995م، بأوراق حزب الوسط للجهات المختصة، يرافقه عصام سلطان، وسليم العوا محامى الوكلاء المؤسسين، وكان ذلك بعلم ومباركة جماعة الإخوان، كما قال «أبوالعلا» نفسه بأن المبادرة بتأسيس الحزب لم تأت منقطعة الصلة بالجماعة بالمعنى التنظيمى والفكرى. وأن الحزب الجديد لا يمانع انضمام أعضاء من الإخوان له، لتتعالى صيحات الإعلام حول مشروع الحزب، وثارت تساؤلات حول أهدافه، ومعنى مرجعيته الإسلامية. ويقول مصطفى مشهور، مرشد الإخوان الأسبق، عندما سُئل عن علاقة الجماعة ب«الوسط» وسبب إنكار شباب الوسط لهذه العلاقة، قال: «هذا كلامٌ يقولونه لدرء الشبهات لأن الحكومة تعلن أن الجماعة غير شرعية، ولا يوجد ما يسمى بتنظيم الإخوان المسلمين فى مصر، وهؤلاء الشباب يريدون أن يدفعوا عن أنفسهم كونهم ينتمون لتنظيم غير شرعى، حتى يحظى حزبهم بالقبول، لكنهم لم ينسلخوا عنا وما زالوا أعضاءً فى التنظيم»، ويضيف: «تصرفات شباب الإخوان مجرد اجتهاد، وهم لا ينوون الانعزال عن الجماعة أو الانشقاق عنها، ورأوا أنها قد تكون وسيلة للعمل لكنها لا تعنى الانفصال». وبعد هذا التاريخ اشتدت الآلة الأمنية على الإخوان، وكل من أسهم أو شارك فى فكرة حزب الوسط، فاضطرت الجماعة بقيادتها التاريخية وخبرتها الحياتية أن تُنقذ هؤلاء الفتيان من قبضة الأمن فأنكرت صلتها بالحزب من الأساس. لم تكن خطوة الجماعة وقادتها بالأمر الغريب، فقد اعتادت منذ نشأتها على التأقلم مع النظم الحاكمة حتى وإن كانت مستعمرة، ليخرج «مشهور» ذاته ويؤكد: «لا علاقة للإخوان بالمجموعة التى سعت لإنشاء حزب الوسط ولا تربطهم بالجماعة صلة تنظيمية»، ليبقى شباب الوسط الإخوانجيين فى مشهد تأسيس حزبهم منفردين. ومع توالى الأحداث، يعتقل جهاز مباحث أمن الدولة -المنحل- مجموعة من قادة الإخوان والحزب، على رأسهم «مهدى عاكف، ومصطفى الغنيمى، وأبوالعلا ماضى، وعصام حشيش، ومجدى فاروق»، بعد اجتماع فى بيت حسن مالك، بتهمة التحايل على الشرعية وتكوين حزب ليكون واجهة للجماعة، ليصدر الرئيس السابق حسنى مبارك قرارا بإحالتهم إلى المحكمة العسكرية بعدها بشهر ونصف الشهر، وحصل المؤسسون ال3 ورشاد بيومى على براءة، بينما حُكم على 7 آخرين من قادة الإخوان. ودخل الحزب ذو المرجعية الإسلامية، بعدها، فى دوامة وذل الخضوع للسلطة، فى الوقت الذى ترفض فيه «الجماعة» أن تعرض تأسيس حزب جديد على لجنة شئون الأحزاب، طالما بقيت قابعة تحت يد صفوت الشريف وأركان النظام المخلوع. وبعدها يقرر مؤسسو «الوسط» تقديم طلب للجنة شئون الأحزاب ذاتها لإنشاء الحزب، 3 مرات فى أعوام 1996 و1998 و2004، ورفضت الطلبات الثلاثة، وبناءً على هذا الرفض تقدم الحزب بطعن على قرار اللجنة أمام دائرة شئون الأحزاب بمجلس الدولة، وبعد ثورة 25 يناير وتحديدا فى 19 فبراير 2011 قضت الدائرة بالسماح بإنشاء الحزب، وإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيسه، لتعكس تلك الحقبة نوعاً من المهادنة بين الأجهزة الأمنية آنذاك وبين مؤسسى الوسط، من أجل الضغط على الإخوان. ويقول أبوالعلا ماضى: «تقدمنا بأوراق الحزب فى أعوام 2004 و2005، واضطررنا لإعادة التقدم بنفس الاسم فى مايو 2009، وكنا نعلم الأجواء فى ظل هذا النظام ولم يكن لدينا ميل للاستعجال لدرجة أن رئيس المحكمة شعر بأننا نماطل». ويبقى الخلاف بين الوسط والإخوان حول الأولويات، فالحزب اهتم بالسياسة دون العمل الدعوى، بل سحب نفسه من ميدان الدعوة تماماً، فى حين أن الجماعة لا ترى تعارضا بين ممارسة الدعوة والسياسة فى ذات الوقت، بل ترى هذا منهجا ومبدأ ثابتا، أن الدعوة لا تنفصم عن السياسة، لأن السياسة هى رعاية مصالح الجماهير والدعوة وإرشاد الخلائق من أهم مصالح الجماهير. وعلى مستوى فهم وتطبيق الشريعة يقول «ماضى»: «لا يوجد شخص فى حزب الوسط يستطيع أن يجزم بأن برنامج الحزب هو الإسلام، لكنى أستطيع أن أقول إن برنامج الوسط يمثل فهمى للإسلام، فمن المحتمل أن تتوافق أو تختلف معى»، فيما يقول مصطفى مشهور، مرشد الجماعة الأسبق: «الإخوان فهموا إرادة الله الحقة، لذا فإن استناداتها وتأويلاتها غير خاضعة للنقاش، لذلك فإمكانية نسج الأفكار والسماح لتأويلات بديلة أمر غير مطروح». وبعد نجاح ثورة يناير، وحصول الحزب على ترخيص تأسيسه، انحاز لفكرة التصويت ب«نعم»، على التعديلات الدستورية، وأنه يرحب بنتيجة الاستفتاء أيا كانت، ورأى عبر مواقفه التى اتخذها عقب نجاح الثورة المصرية فى الإطاحة بنظام حسنى مبارك، أن الآلية الملزمة التى نصت عليها التعديلات الدستورية، خصوصاً الفقرة الأخيرة للمادة 189، لوضع دستور جديد، هى الأنسب والأوفق، لأن عملية وضع دستور جديد حينئذ ستكون تحت إدارة رئيس منتخب ومجلسين منتخبين. وحمّل الحزب خلال الفترة الانتقالية، المجلس العسكرى مسئولية أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء التى راح ضحيتها العشرات، معتبراً أن «العسكرى» مسئول عن كل قطرة دم سقطت، لأن المجلس يستعين بأفراد نظام مبارك. وبعدها قرر «الوسط»، مقاطعة كل اجتماعات القوى السياسية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أواخر فترته قبل موعد تسليم السلطة المحدد له نهاية يونيو من عام 2012، لتتوحد مواقف الحزب مع مواقف حزب «الحرية والعدالة»، قبل أن يكونا أكثر الأحزاب مشاركة فى اجتماعات المجلس العسكرى قبل انتخابات مجلس الشعب مطلع عام 2011. ومن المواقف المتشابهة التى اتخذها الحزبان، مثلا، فى رفض وثيقة الدكتور على السلمى، نائب رئيس الوزراء فى حكومة الدكتور عصام شرف، ومشاركتهما فى مليونية 18 نوفمبر، التى خرجت لرفض الوثيقة. وبرز هجوم «الوسط» على المجلس العسكرى، فى محاولاتهم لصياغة سياسة خاصة للحزب، حين طالب عصام سلطان، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب فى مجلس الشعب، بمساءلة أعضاء المجلس عن الأحداث التى راح ضحيتها العديد من خيرة أبناء مصر فى كثير من الأحداث، مؤكدا أن مساءلة الحاكم مسئولية مجلس الشعب. وقال سلطان خلال الجلسة الطارئة لمجلس الشعب لمناقشة أحداث مذبحة مباراة الأهلى والمصرى فى محافظة بورسعيد: إما أن يساءل أعضاء المجلس العسكرى عن الأحداث، خصوصاً أن لكل منهم قطاعا مسئولا عنه، وإما تشكيل حكومة إنقاذ وطنى من حزب الأغلبية بمفرده أو بالائتلاف مع الأحزاب الأخرى. واعتبر سلطان حينها أن قيادات الحزب الوطنى المنحل ما زالت موجودة ومتغلغلة فى الحياة السياسية، بمساندة من المجلس العسكرى الذى لا تخلو اجتماعاته من أعضاء أمانة السياسات. بل صعد نائب رئيس الحزب من لهجته تجاه المجلس العسكرى حين قال: «المجلس العسكرى يفكر بطريقة مبارك، ومن ثم فإن كل الخيارات ما زالت مفتوحة أمام الشعب». وخلال الفترة الانتقالية لجأ المجلس العسكرى بعد أحداث مجلس الوزراء، التى وقعت نهاية عام 2012، إلى تشكيل مجلس استشارى يعاونه الرأى والمشورة لاتخاذ القرارات، وبعد أسبوعين من تشكيل المجلس قدّم أبوالعلا ماضى، رئيس الحزب، استقالته من المجلس الاستشارى، وقال وقتها: «لا يصح أن نجلس بجانب مجلس عسكرى ينتهك حقوق المصريين»، مطالباً المجلس العسكرى بالتخلى فورا عن السلطة». وبعدها يعلن «ماضى» أن الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى قبيل جولة الإعادة بين الدكتور محمد مرسى المرشح الإخوانى، والفريق أحمد شفيق، انقلاب كامل على جميع القواعد والأسس الدستورية والمدنية، وفى نهاية حكم المجلس العسكرى رفض «الوسط» فكرة الخروج الآمن، وطرح فكرة «الخروج العادل»، لأن الشعب المصرى لا يمكن أن يفرط فى دم أحد من الشهداء. أما فى مرحلة ما بعد فوز «مرسى» بالرئاسة، فقد كان عنوانها المواءمة والتنسيق بين «الوسط»، وجماعة الإخوان، وحزبها الحرية والعدالة، فى كثير من المواقف، من دعم مشترك لمليونيات وقرارات الرئيس وقيادة رئيس الحزب لجلسات الحوار الوطنى، التى تجرى جلساتها بمقر رئاسة الجمهورية، ولا يشارك فيها أى من أحزاب جبهة الإنقاذ المعارضة، فضلا عن مهاجمة «الوسط» لمعارضى الرئيس لامتناعهم عن حضور الجلسات ودعوتهم لرفض الدستور خلال الاستفتاء، كما شارك كل من عصام سلطان وأبوالعلا ماضى ومحمد محسوب، فى اللجنة التى عكفت على تعديل الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر الماضى، وصياغة الإعلان البديل الذى صدر فى 6 ديسمبر الماضى. واعتبر عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، «جندى الإخوان»، حين تصدر المشهد لإبعاد «شفيق»، بعد أن وقف وراء إصدار قانون العزل السياسى بمجلس الشعب المنحل، لمنع «شفيق» من الترشح فى الانتخابات الرئاسية، لكن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستوريته، فضلا عن خلافاته، وبلاغاته ضد «شفيق»، وهجومه الدائم على المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية، باعتبارها وراء حكم المحكمة بحل مجلس الشعب. ولن تنسى جماعة الإخوان دور حزب الوسط القيادى داخل الجمعية التأسيسية، من خلال «ماضى» الذى حل وكيلا للجمعية، أو عضوية سلطان ومحسوب، ودفاع الأخير عن مشروع الدستور باعتباره عنوان الاستقرار، وأن التصويت لتأييده يخدم مصالح البلاد. ليغتنم الحزب 9 مقاعد مكافأة من نظام «الرئيس الإخوانى» للتعيين بمجلس الشورى، بعد أن سبق أن حصل على 10 مقاعد فى «الشعب»، وذلك قبل أن يقرر محسوب تقديم استقالته احتجاجاً على بقاء حكومة «هشام قنديل»، التى وصفها بالفاشلة وغير المعبرة عن آمال الشعب.