"الأرض دي أرضي وترابها من ناسي وإن كنت أنا ناسي ما هتنسانيش هي".. هذا هو لسان حال جميع الأهالي بجزيرة القرصاية من فلاحين وصيادين ومواطنين بسطاء كل همهم في الحياة "لقمة عيش يأكلونها من عرق الجبين وبيت صغير يجمعهم". تلك الجزيرة التي تكرر اسمها كثيرا خلال الشهور الماضية وتحديدا منذ الثامن عشر من نوفمبر الماضي ومحاولات الإخلاء القسري المتعمدة من قبل بعض الأطراف العسكرية أحيانا ورجال الأعمال في أحيان أخري كثيرة ضد سكان الجزيرة، فضلا عن القاء القبض علي نحو 25 مواطنا من القرصاية وتحويلهم لمحاكمات عسكرية. الأهالي ينتظرون الحكم النهائي في تلك القضية يوم الإثنين المقبل بمحكمة شمال القاهرة العسكرية وفي هذا الإطار أكد الفنان التشكيلي محمد عبلة، أحد أبناء القرصاية أن الجيش ألقي القبض علي أهالي الجزيرة من بيوتهم بدون ذنب أو تهمة محددة وهذا بشهادة شهود الإثبات أنفسهم من جنود القوات المسلحة، وبعد عامين من ثورة 25 يناير يستمر مسلسل المحاكمات العسكرية للمدنيين ل25 مواطنا من أبناء الجزيرة دون عرضهم أمام قاضيهم الطبيعي ومن ثم صاروا منزوعي الحقوق، خاصة في سجن الإستئناف، حيث يعامل فيه المواطن معاملة غير ءادمية منذ أكثر من شهرين. وفي المقابل يلتزم الأهالي بالتظاهرات السلمية منذ عام 2007 حسبما يقول "عبلة" الذي أوضح أن القرصاية صارت حديث العالم كله قبل الثورة دون أن يضرب مواطن أو يهان وتنتهك كرامته وحقوقه أو تسيل دماءه، لكن اليوم حدث ما لم يكن يتوقعه أحد من قبل، فاعتدي علي الأهالي الأبرياء وحوصروا في بيوتهم واعُتقلوا وتمت محاكمتهم عسكريا وقُتل أحدهم علي يد القوات المسلحة وألقوا بجثته في النيل رغم استمرار الأهالي علي نفس الآداء السلمي الذي اعتادوا عليه منذ سنوات . ووصف "عبلة" الدستور الجديد ب"الأعور" و"المعيب" خلال كلمته أمس في المؤتمر الشعبي الذي تم تنظيمه بجزيرة القرصاية للتضامن مع الأهالي المعتقلين عسكريا والمنتظر الحكم النهائي في قضيتهم يوم الإثنين المقبل، مضيفا أن هذا الدستور لم يتطرق في مواده إلي قضية تقنين وضع اليد، رغم أن أكثر من 75% من الأراضي والعقارات المصرية بنظام وضع اليد، فقط اكتفي بالحديث عن الملكية بما ينص علي أن "الأرض التي لا مالك لها ملكا للدولة"، ومن ثم فإن القرصاية هي نموذج مصغر لكافة القري والنجوع المصرية التي تحكمها العشوائية، موضحا أن الجزيرة أول من وصلت إلي العالم مفهوم "كيف يثور البسطاء والمهمشين" ولكن الخوف الأكبر من ثورة الجياع والبسطاء القادمة التي ستحرق مصر كلها، محذرا مما هو قادم من تزايد الفجوة بين الجيش والشعب نتيجة السياسات الخاطئة للنظام الحاكم . واستنكر المحامي الحقوقي سيد فتحي، مدير مركز الهلالي للحريات، أحد المدافعين عن قضية القرصاية تسجيل القوات المسلحة لنحو 25 فدانا من أصل 130 بالجزيرة كأراضي عسكرية، فقال ساخرا " تقريبا دي نكته.. أول مرة أسمع إن الجيش بيسجل أراضيه بالشهر العقاري وليس هيئة المساحة العسكرية، رغم أن الأهالي يحاولون منذ أكثر من مائة عام، تقنين أوضاعهم في الجزيرة دون استجابة من قبل المسئولين". وأضاف أن من يقرأ أوراق القضية والمتهمين فيها سوف يجد العديد من المفارقات والمغالطات لاسيما بعد وصفهم أرض الجزيرة ب"الأرض المحتلة" تحت باب الدخول في أرض عسكرية تستخدم كنقطة ارتكاز للدفاع عن أرض الوطن والاعتداء علي ضباط الجيش بالقرصاية وهو ما يتنافي تماما مع شهادة الشهود العسكريين ذاتهم، فضلا عن شهادة أحد الضباط الأخرين في محضر الجلسة أنهم يزرعون تلك الأرض منذ سنوات وبالتالي فكيف تزرع في أرضا ليست ملكك علي حد قوله. وفجر مدير مركز الهلالي للحريات، مفاجأة من العيار الثقيل حينما أكد أنه بعد الإطلاع علي الرقم المسجل بإسم الأرض التابعة للقوات المسلحة كما يقولون تبين أن الرقم "1965" مسجلا بإسم مواطن مصري يدعي عادل محمود محمد ابراهيم المقيم ب15 شارع تميم الرصافي بالسيدة زينب، القاهرة الذي قام بشراء الشقة رقم 10 بالعقار المقام علي القطعة رقم 406، تقسيم أ من 133 مكرر من 26 من 10 تقسيم جمعية صحراء الأهرام ومساحته 2121 بموجب عقد ابتدائي مؤرخ في 28/7/2009 وحينما تقدموا إلي ساحة المحكمة العسكرية بتلك الحقائق الجديدة فوجئوا برقم ثان مسجل في الشهر العقاري . وطالب محامي الأهالي المعتقلين وزير الدفاع بمحاكمة العقيد "أ. ع" الذي شوه صورة القوات المسلحة وحولها إلي فرقة عسكرية مسلحة خارج نطاق الدولة المصرية وسيادة دولة القانون، مشيرا أن من أصاب جنود الجيش هم قياداتهم الذين أطلقوا الرصاص الحي علي الأهالي المدنيين العزل وقتلوا الشهيد محمد عبدالموجود برصاص ميري. وأفاد أن القوات المسلحة لا تمتلك سند قانوني أو تنفيذي بالتواجد علي أرض الجزيرة فإما أن يطعن علي حكمي مجلس الدولة والقضاء الإداري الصادرين لصالح الأهالي وأما أن يسلم الأرض التي بحوزته بشكل كامل ولكنهم يتصرفون كفرقة عسكرية مسلحة تسير وفقا لمبدأ "أخود حقي بدراعي وسلاحي" ومن ثم فإنهم بذلك قد انقلبوا علي الشرعية القانونية، علي حد وصفه. ومن جانبه قال القيادي العمالي كمال أبو عيطة، أحد المتضامنين مع الجزيرة أن الحفاظ علي أرض وأهالي القرصاية هي بداية حقيقية لفتح الأبواب أمام الانتاج الزراعي والسمكي لمصر ومن ثم فلابد من الضغط علي كل الإتجاهات من أجل الإفراج عن كافة المعتقلين عسكريا بموجب المادة الجائرة التي "زرعوها" في الدستور لإرهاب وترويع المدنيين وكأنهم يتعاملون مع المصريين من أهل الجزيرة كالمحتل الصهيوني وهذا عمل لا يليق بجيش مصر الذين هم خير أجناد الأرض. وأوضح "أبو عيطة" أن هذه التصرفات العدوانية من قبل القوات المسلحة لم تشهدها مصر قبل الثورة ولكن نتيجة تزايد مطامع المستثمرين في أرض القرصاية فإنهم حاولوا بسط نفوذهم وأذرعهم الخبيثة علي الجزيرة لصالح مشروع القاهرة 2050 كما يزعمون، ذلك المشروع الذي يخدم اصحاب المال والسلطة والنفوذ علي جثث الفقراء. وفي ذات السياق أشار الفلاح الفصيح، عبدالمجيد الخولي، رئيس اتحاد الفلاحين في تصريحات خاصة ل"الوادي" أن ما يجري علي أرض القرصاية عينة مصغرة من الفساد المستشري في قري مصر ومن يغلق باب الحلال يفتح أبوابا عديدة للحرام والنهب والسرقة، فالقضية كما يريدون توصيلها إلي الرأي العام أن مواطني الجزيرة بلطجية ومحتلين بدلا من تكريم الفلاح المصري الذي يحمي أرضه ويدافع عن عرضه للوصول إلي الإكتفاء الذاتي للسلع المصرية، والوقوف ضد القوي الداخلية والخارجية التي تسعي لتركيع مصر، مؤكدا أن الناخب سيد النائب وبالتالي فلابد من تمثيل حقيقي للفلاحين في البرلمان المقبل يحمي حقوقه المسلوبه ويتبني قضاياه ويرفعها للمسئولين . فيما أكد الحاج مجدي جمعة، أحد الأهالي أن العسكر لن يرتاح أو يهدأ لهم بال إلا بعد تحويل أرض الجزيرة جميعها إلي أرض عسكرية، موجها رسالة أخيرة إلي قوات الجيش المرابطة علي أرض القرصاية، منذ عام 2007، قائلا "مكانك الحقيقي علي الحدود، مش في القرصاية".