في أسمنت بورتلاند والصرف الصحي والراتنجات: الشرطة لا تضرب النشطاء فقط ولكن العمال أيضاً في أسمنت الإسكندرية تم فض الاعتصام بالكلاب البوليسية.. وفي الإسكندرية للصرف الصحي تم خطف منظمي الاعتصام وتعذيبهم علي البدري: اتقوا شر «العامل» إذا غضبت.. وثورتنا قادمة لتطيح بالأخضر واليابس المنظمات الحقوقية: فض الاعتصامات العمالية بالقوة يبرر «العصيان» والمركز المصري يحذر من نتائج قهر العمال ارتجاج في المخ ونزيف داخلي وكسور «فاتورة حساب» هجوم القوات الخاصة على 500 عامل بالإسكندرية قهر وظلم للعمال، وحقوق ضائعة، ما الذى يمكن أن يتبعه ذلك إلا مظاهرات أو احتجاج للمطالبة بتلك الحقوق وعلى رأسها «التعيين أو رفع الأجور، أو عودة المفصولين، وغيرها من المطالب المشروعة للجميع»، هذا هو منطق العمال، لكن منطق الإدارة أو السلطة دائما مختلف، ويتبنى شعار أنه لا حقوق إلا ما نراه. اختلاف الرؤية للموقف باختلاف موقع صاحبها، يبرر لكل طرف اللجوء إلى خياراته لفرض وجهة نظره، وكما فى السياسة أصبح الامر فى الاقتصاد والشركات التى تدعمه، وهو ما حدث فى الأسابع الماضية ليس فقط فى شركة أسمنت بورتلاند أو شركة الصرف الصحى بالإسكندرية، أو راتنجات المنصورة، لكنه قد يشمل أيضا عددا آخر من الشركات، وهو ما أوجد ظاهرة جديدة فى مصر بعد الثورة، تتلخص فى إجهاض ومواجهة الاعتصامات المشروعة للمطالبة بالحقوق ليس فقط بالقوة ولكن بالكلاب البوليسية واختطاف العمال وتعذيبهم أيضا، وهو ما حذرت منه بشدة منظمات المجتمع المدنى المعنية بحقوق العمال، مؤكدة أن مواجهة مطالب العاملين بالطناش أو القوة قد تفجر أزمة عصيان مدنى قد تعصف باستقرار البلاد إلى ما لا نهاية، خصوصا بعد ما حدث فى شركة أسمنت بورتلاند بالإسكندرية، التى يبلغ عدد عمالها ما يقرب من 500 عامل، عانوا جميعًا من ظلم الإدارة، ولجأوا إلى الاعتصام فما كان من القوات الخاصة والأمن المركزى، إلا أن انقضت عليهم بالكلاب البوليسية، وألقت القبض على 88 منهم وتعرض غالبيتهم للسحل والتعذيب . المعتصمون ضحية الهجوم بالكلاب البوليسية محمود محمد، أحد العمال وشاهد عيان على ما حدث، منذ بداية الأحداث، يقول بصوت حزين: فى حوالى الساعة الرابعة فجر الأحد الماضى الموافق 17 فبراير الجارى، وبينما نصف العمال معتصمون فى ساحة الشركة، والنصف الآخر داخل الجامع المخصص للشركة، يؤدون صلاة الفجر، فوجئ الجميع بهجوم القوات الخاصة على المكان، وهم يحملون الرشاشات الآلية، والعصى، والكلاب البوليسية، فانتفض الجميع فى ذعر وتعالت أصوات العمال بعدما بدأوا هجومهم. يضيف محمود: فى البداية ظننا أنهم جاءوا لمساعدتنا أو لحمايتنا، فهتفنا بصوت واحد «ايد واحدة.. احنا معاكوا».. فإذا بهم يطيحون فى الجميع، لدرجة جعلت بعض العمال يقفزون من الدور الثانى هربًا من بطشهم، بعدما دخلوا بالكلاب البوليسية إلى الجامع وأطلقوها على المصلين أثناء سجودهم، ما أثار الرعب فى قلوب الجميع، وبعدها مباشرة تم تجميع العمال الذين وقعوا فى قبضتهم، وقيدوهم بالحبال داخل سيارات القوات الخاصة، وقاموا بسحل أجساد بعضهم على الأرض فى الطريق إلى هذه السيارات، وفى تلك الأثناء تم تكسير زجاج الإدارة، وبعض مهمات الشركة من قِبل القوات الخاصة المهاجمة للعمال. يوضح محمود أن سبب تجمع عمال الشركة فى ذلك الوقت، هو أنهم قرروا الاعتصام بها، والتخطيط لوقفة احتجاجية للمطالبة بحقوقهم، التى من أهمها المطالبة بالتعيين، وتوقيع العقود بين عمال الشركة، والمالكين الفعليين لها، وكذلك التأمين الصحى على العمال، مؤكدا أن «شركة الاسمنت حوادثها كتير، وكل يوم واحد فينا بيموت او يتصاب، وفى الحالتين بنلاقى نفسنا احنا اللى بنساعد بعض، ونجمع لبعض المعونات المادية، والشركة، ودن من طين، وأخرى من عجين». ويشير إلى أن ذلك هو ما دفعهم إلى الاحتجاج، مما أثار غضب الإدارة، لكن النتيجة كانت أسوأ مما توقعنا جميعا، فلم نكن نعلم أن نتيجة هذا التصرف أن يتعاملوا معنا بهذه القسوة، ونرى زملاءنا مسحولين بالحبال تنهشهم الكلاب البوليسية». 10 ساعات من التعذيب تخبطت أطرافه قبل أن ينطق بكلمة، لم يع ماذا يقول، أو يروى، عن الليلة المؤلمة التى عاشها وسط الكلاب البوليسية، كل ما أدركه وقاله أن هناك 10 من زملائه مازالوا بين أيدى من لا يرحم، يلتقط محمد متولى موظف التشميع فى المحاجر أنفاسه بصعوبة، ثم يقول: «أكل عيشنا اتقطع والحمد لله، قضينا ليلة من أسوأ ما يمكن ان توصف، وذلك بعد أن انقضوا علينا وأخذونا دون رحمة، واحتجزونا وتبادلوا علينا حفلات التعذيب بعدها أفرجوا عن عدد 10 من المحتجزين، ولم يتم الإفراج عن الباقين وهم: أحمد حسن عبد المنعم، عبد الوهاب رشاد، عجمى صلاح عجمى، عبد الله بخيت، محمود نصر، صالح حميدة جمعة، إبراهيم عبد اللطيف عبد الغفار، تامر مصطفى عباس، لطفى عوام عبده، عمرو مجدى محمد، عادل محمود عامر، أشرف عبد الموجود، أحمد محمد عبد المجيد، محمد محمد حماد، محمود بسيونى محمد، عادل محمد محمد عبد الهادى، تامر مصطفى عباس، عماد محمد محمد، أحمد عبد الحميد، عبد العزيز بيومى رسلان، مرسى عوام». علاء السيد بدرى محامى المتهمين تقدم بتظلم للمحامى العام بعد احتجاز أكثر من 70 عاملا من شركة أسمنت بورتلاند، تم إخلاء سبيلهم على دفعات كان آخرها إخلاء سبيل 10 من المُحتجزين، بعد إنهاء التحقيقات معهم وهم «كريم محمود على، هوارى فرج، محمد متولى، السيد محمود محمد، السيد كمال ابو الفتوح، سمير عبد السلام حمزة، محمد محمد رمضان، حمدى أحمد عبد الحميد، محمود محمد حسين، عبد الله يحيى أحمد». وذلك بعد أن تم تحرير محضر لهم بتهمة «احتجاز أفراد مدنيين» وهو ما لم يكن له أصل من الواقع فى القضية، وعلى إثر ذلك هجمت عليهم عدة سيارات تحمل قوات خاصة، وأفراد أمن مركزى، حولوا الشركة إلى مستنقع دموى، وقبضوا على ما يقرب من 70 عاملا، وتعرضوا بعد ذلك للتعسف والعنف، دون مبرر لذلك أكثر من كونهم طالبوا بحقوقهم المسلوبة، وخاطبوا الإدارة ممثلة فى «نهاد قطامش» رئيس مجلس الإدارة، للحصول على تلك المطالب، وبعد استجابته لتلك الدعوة وحضوره مقر الشركة، «غدروا بالعمال» بهذا الشكل المُهين، واتهموا العمال الشرفاء باحتجازهم بالقوة. ويستطرد علاء قائلاً: هناك 3 من العمال تمت إصابتهم إصابات بالغة، وأودعوا بالمستشفى الجامعى بالإسكندرية عقب تعرضهم لتعذيب وحفلات ضرب متتالية وهم: فتحى محمد يوسف، كسور بالجمجمة، ونزيف داخلى حاد، محمد بسيونى ارتجاج فى المخ، لطفى عوام كدمات بمختلف أنحاء الجسم، هذا بخلاف أن هناك 18 عاملا يتم التحقيق معهم بشأن التهم المنسوبة إليهم. ويضيف علاء: إن ما زاد من الأمر حدة هو إطلاق الكلاب البوليسية على المصلين من العمال أثناء أدائهم لصلاة الفجر يوم الأحد، مما جعل العمال يستنفرون ضد هذا التصرف. ويضيف علاء أنه يطالب بتصعيد الموقف إلى وزير العدل، ووزير الداخلية، وجميع المؤسسات والهيئات الحقوقية التى من شأنها أن تأتى بحقوق العمال. المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من جانبه، أصدر بيانا له الاثنين الماضى الموافق 19 فبراير، يحذر فيه مما يحدث ويدين بشدة الهجوم الغاشم للشرطة على عمال شركة أسمنت بورتلاند بالإسكندرية، وفضها لاعتصامهم الشرعى المستمر منذ 15 يوما ضد الفساد فى الشركة وحقوقهم المشروعة فى المطالبة بالتثبيت. كما أدان المركز التطور الخطير فى تعامل الدولة مع اعتصامات وإضرابات العمال المصريين من استخدام العنف والبطش ضد عمال سلميين، بدلا من تلبية مطالبهم، محذرا من نتائج اقتحام قوات الأمن المركزى لمقر الشركة، ومهاجمة المعتصمين، بعدما أصيب 150 عاملا، بينهم 3 بإصابات خطيرة بسبب عضات الكلاب وإلقاء عاملين من الطابق الثانى للشركة، وهو ما وصفه بأنه خطوة تستكمل بها الحكومة الحالية ما بدأته سابقتها عام 1994 ببيع الشركة عن طريق إجراءات فاسدة، وهو ما كان المركز قد واجهه فى وقت سابق عندما أقام دعوى فى ديسمبر الماضى ببطلان خصخصة الشركة. وقال المركز إن ما أكده شهود عيان من أن قوات الأمن هاجمت الشركة فجر أمس بالكلاب البوليسية، واقتحمت مسجد الشركة وألقت القبض على العشرات من العمال، تحت زعم احتجاز العمال لأعضاء إدارة المصنع وتهديدهم، وهو الأمر الذى نفاه العمال، يعد مؤشرا خطيرا، خصوصا أن العمال اتهموا الشرطة بإلقاء اثنين منهم من الدور الثانى للمبنى الإدارى للمصنع، وقد أعرب المركز عن قلقه الشديد من هذا التطور الخطير فى تعامل الدولة مع الاحتجاجات العمالية واستخدام البطش والعنف الجماعى لأول مرة منذ عام 1994 أثناء واقعة فض إضراب عمال غزل كفر الدوار وقتها. وحذر المركز من أنه منذ تولى حكومة مرسى، عادت سياسات العنف الجماعى لتتكرر، لتهدد مئات الالاف من المصريين، عمالا وفلاحين وموظفين، ممن يحتجون من أجل حقهم فى حياة كريمة وظروف عمل جيدة. وهو مؤشر خطير، خاصة مع تزايد الاحتجاجات فى الفترة الحالية وعصف السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة بعمال مصر وفقرائها. فض الاعتصامات بالقوة، وباستخدام كل الوسائل حتى وإن كانت غير مشروعة، يبدو أنه اصبح الخيار الأول أمام أجهزة النظام الحالى، خاصة فى هذا الوقت العصيب الذى يمر به الجميع، خصوصا أنه تكرر فى مواقع أخرى منها ما حدث بشركة الصرف الصحى بالاسكندرية. الاختطاف وسيلة النظام الجديد لإجهاض الاعتصامات على جانب آخر وفى شركة الإسكندرية للصرف الصحى، كانت هناك وسيلة مبتكرة لإجهاض اعتصام العمال، باختطاف المنظمين للاعتصام، وهو ما يؤكده سيد أبوالسعود موظف بالإدارة العامة للشركة، و أيمن حمدى رئيس محطة فرعون بمنطقة المنتزه، وكانا ممن تعرضوا للاعتداء فى أحداث هجوم الأمن المركزى على المعتصمين بالشركة. يقول أبو السعود: «أثناء سيرى بصحبة زميلى ايمن حمدى متجهين إلى قسم شرطة المنتزه لعمل محضر نسجل فيه نيتنا تنظيم مسيرة ووقفة احتجاجية، للمطالبة بحقوق العمال فى شركة الصرف الصحى بالاسكندرية، بهدف إخطار الجهات المختصة بقانونية وسلمية المسيرة، فوجئنا ونحن فى الطريق بسيارة «جيب» سوداء تقطع طريقنا، وينزل منها 4 رجال طوال القامة، يقفون كحائط أسود، لا نستطيع أن نرى من خلفهم أى شىء، وسرعان ما أمسكوا بنا ووضعوا عصابة سوداء على أعيننا، وكمامات على أفواهنا، ثم أدخلونا السيارة واقتادونا إلى مكان لا نعلمه، وهناك تناوبوا علينا الاعتداء الوحشى فى حفلة تعذيب، وهم يحذروننا من الانسياق فى أى وقفات او مظاهرات احتجاجية من شأنها إثارة العمال أكثر، وفى صباح هذا اليوم اقتادونا ونحن معصوبو الأعين فى سيارة وتركونا فى منتصف الطريق دون أن نعلم أى شىء عن المكان الذى احتجزونا فيه أو أى معلومات عنهم». ويستكمل أبوالسعود حديثه قائلا: كانوا يضربوننا ويستخدمون معنا العنف بمنتهى الحرفية بحيث يكون ضربهم موجعا دون أن يترك أثرا، فكانوا يستخدمون «كاوتش» يسبب آلاما كبيرة، دون أن يجرح أو يترك أثرا عميقا لهذه الضربات. أبو السعود الذى كان ضحية المطالبة بالعدالة الإجتماعية، يؤكد أن كل ما كانوا يرغبون فيه هو وزملاؤه العمال، هو المساواة مع عمال شركة الصرف الصحى التابعين لمحافظة القاهرة، وتوفير العدالة الكاملة، لكنهم لم يتمكنوا من الوصول لذلك بسهولة . الأمن المركزى زوار الفجر للمعتصمين فى شركة «راتنجات المنصورة»، لم يكن الأمر أفضل بالنسبة للعمال الذين أعلنوا نيتهم فى الاعتصام للمطالبة بحقوقهم، وإعلان رفضهم لقرار الشركة بغلق المصانع عقب كل زيارة رقابية للشركة، وتحقيق بعض الحقوق المشروعة للعمال مثل زيادة المرتبات، وعودة المفصولين تعسفيا، وصرف المستحقات المالية المتأخرة للعاملين، وإصلاح محطة معالجة الصرف الصناعى التى أهملتها الادارة. عمال «راتنجات المنصورة» ولجوؤهم إلى التظاهر والوقفات الاحتجاجية السلمية، حق مشروع قرروا اللجوء إليه بالاعتصام يوم الخميس الموافق 14 من فبراير الجارى، لكن قوات الأمن المركزى كانت لهم بالمرصاد أيضا، ومستعدة لاستخدام القوة لفض الاعتصام وتفريق العمال بالقوة، وهو ما حدث بالفعل حيث وصلت القوات فى منتصف الليل، وهاجمت العمال المعتصمين، وطردتهم خارج الشركة، وألقت القبض على 5 من قيادات العمال المعتصمين واحتجزتهم بعد فض الاعتصام بالقوة . لا تبدو الوقائع السابقة لمسلسل العنف ضد العمال طبيعية فى ظل السحل واستخدام الكلاب البوليسية لفض الاعتصامات، لكنه قد يبدو نذير شؤم نحذر منه كسبب واقعى لإعلان «عصيان مدنى» حقيقى فى البلاد، وهو ما تحذر منه منظمات المجتمع المدنى المعنية بالدفاع عن حقوق العمال. الإضراب مشروع.. ضد الفقر وضد الجوع اتحاد عمال مصر الحر وموقفه مما حدث، جاء على لسان على البدرى رئيس الاتحاد، الذى استنكر التعدى على عمال الشركة، وسحلهم، وتقدم ببيان رسمى باسم اتحاد عمال مصر الحر، وذلك بعد لقاءات موسعة بعبد الخالق نصر عضو مجلس إدارة الاتحاد، وبعدد من أعضاء الاتحاد على رأسهم صابرين الجارحى، وعدد من العاملين بشركة أى بى أس بورتلاند المكس بالإسكندرية، أوضح خلاله ما حدث بالتفصيل من بداية القصة إلى نهايتها، وأكد أن هؤلاء العمال يعملون منذ أكثر من 10 سنوات، دون تثبيت أو عقود تحمى حقوقهم بالشركة، كما أبدى اعتراضه على تدخل قوات الأمن والطريقة التى تم بها فض هذا الاعتصام، وما تعرض له العمال من سحل وعنف غير مُبرر على أيدى الشرطة، لكسر شوكتهم، وإنهاء مصطلح «مظاهرات» أو «إضرابات» . وطالب البدرى جميع المنظمات الحقوقية والدولية بضرورة مساندة العمال، وكشف النقاب عما يتعرضون له من مشكلات، محذرا من عدم السيطرة على ما يقوم به رجال الأمن وزوار نصف الليل من ممارسات ضد العمال، وناشد البدرى باسم اتحاد عمال مصر الحر المسئولين عن الأمن المركزى، بصد هجماتهم الشرسة التى بدأت توجه إلى فئة العمال، مؤكدا أن «الإضراب مشروع مشروع، ضد الفقر وضد الجوع».