سلطت صحيفتان أمريكيتان صدرتا اليوم الأحد الضوء على الأزمة في مالي وحاولتا كشف مدى علاقة صعود الجهاديين في شمال إفريقيا بالمساهمة في كشف الجانب المظلم من ثورات الربيع العربي ، إلى جانب انتقاد دور الإدارة الأمريكية في معالجة الأزمة. فمن جانبها، ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) أن النبوءة التي كان العقيد الراحل معمر القذافي يرددها، للتهديد بأنه في حال سقوط نظامه ستنتشر الفوضى وتندلع حربا مقدسة في شمال إفريقيا، بما يذكر الناس بعصر القراصنة، قد اتخذت منحى جديدا مع انبثاق أزمتي مالي والرهائن في الجزائر. وأشارت الصحيفة -في تقرير لها أوردته على موقعها الإلكتروني- إلى العملية العسكرية التي تقودها فرنسا لقتال الجهاديين إلى جانب أزمة الرهائن الأجانب في الجزائر والأجانب الذين تم احتجازهم في إحدى المنشآت الصناعية بالجزائر على يد متشددين. وقالت: "إنه عقب أربعة أشهر من مقتل السفير الأمريكي في ليبيا على يد جهاديين جاءت أزمتا مالي والجزائر لتزيد من الشعور بأن منطقة شمال إفريقيا تحولت لمنطقة خطيرة وغير مستقرة تنذر باندلاع حرب أهلية دموية، تشبه ما حدث في سوريا"، مشيرة إلى أنه برغم تعدد أسباب انتشار الفوضى في الصحراء الإفريقية إلا أنها تعطي تذكرة قاتمة حول ثمن الإطاحة بالنظام الاستبدادي الذي عاشت فيه ليبيا وتونس طيلة أعوام. وتعليقا على هذا الشأن، أكد روبرت مالي الباحث في شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية -في تصريحات أوردتها الصحيفة الأمريكية- أن الأوضاع الراهنة تكشف الجوانب المظلمة في ثورات الربيع العربي، فعقب أن ساعدت الطبيعة السلمية لهذه الثورات في كسر شوكة تنظيم القاعدة وحلفائهم في المنطقة ساهمت العوامل اللوجيستية مثل كثرة التسلل عبر الحدود وانتشار الأسلحة واختلال الأنظمة الأمنية في تقوية الجهاديين. ورجحت (نيويورك تايمز) الأمريكية ألا تنتهي الأزمة في مالي قريبا، مستندة إلى حقيقة تخفي المسلحين في صفوف المدنيين من جهة واستمرارهم في تحصين أنفسهم من جهة أخرى وقال : "إن مثل هذه الأزمة ربما تمثل اختبارا للحكومات الجديدة في ليبيا والدول المجاورة لها -وهي ظروف إن حاولت القوى الغربية التدخل فيها عسكريا فإنها ستعيد إحياء الذكريات الاستعمارية مما يثير حفيظة الإسلاميين". بدورها ذكرت صحيفة (بوسطن هيرالد) أن أزمتي مالي والرهائن المحتجزين في الجزائر كشفتا صعوبة معرفة إن كانت إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما لديها فكرة حول ما يجب أن يتم حيال هاتين الأزمتين. وأفادت الصحيفة - في تقرير لها أوردته على موقعها الاليكتروني- أن تداول تقارير تؤكد أن مالي، حالها أصبح كحال أفغانستان والعراق في السابق وسوريا اليوم، خضعت ل-"مركزية إسلامية" وأصبحت مسرحا لحرب مع المقاتلين الأجانب بهدف بناء خلافة إسلامية. وأشارت الصحيفة إلى أنه من المتعارف أن تنظيم القاعدة هي جماعة انتهازية تحسن استغلال الأوضاع التي تنتشر فيها الفوضى وانعدام القانون وتواجد حكومات ضعيفة، وذلك في ضوء تداول تقارير تحذر من أن تصبح مالي أفغانستان جديدة. من جانبه، أكد مايك روجرز عضو مجلس الشيوخ ورئيس لجنة الاستخبارات الأمريكية:" أنه في حال عدم التعاول مع المجموعات المسلحة والإرهابيين بشكل سريع وفعال فإنهم سيشكلون مخاطر متنامية في المستقبل لا سيما في ظل تواجدهم في بني غازي والأن بالجزائر ومالي". إلى جانب ذلك، تناولت الصحيفة الأمريكية تصريحات عدد من المسئولين الغربيين والأمريكيين بأن هذه المجموعات الإرهابية ربما تستخدم مالي ليس فقط لشن هجمات في إفريقيا بل ربما تصل إيديهم إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا. ورغم كافة هذه التحذيرات، ذكرت الصحيفة الأمريكية أن إدارة أوباما لا تزال مصرة على عدم التدخل ربما على أمل أن تنحل الأزمة من تلقاء نفسها أو لشعورها بأن الولاياتالمتحدة لا تعد في مرمى الميليشيات المسلحة الإفريقية، التي ترى أن أهدافها قومية وليست دولية. واختتمت (بوسطن هيرالد) تقريرها بالقول بإن ثمة سبب أخر يمكن أن يقف وراء إصرار واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية في عدم التدخل وهو رغبتها في إجبار القوات الأفريقية على التعامل مع الوضع في مالي بأنفسهم، كحال قوات الاتحاد الإفريقي في قتالها للقاعدة وحركة "الشباب" في الصومال.