مفاجأة لا يعرفها الكثيرون، وهى أن كثيرًا من المصريين يملكون أراضى داخل المملكة العربية السعودية فى هيئة أوقاف خيرية، لدرجة أن أراضى توسعات الحرم المكى التى تتم سنويا تقتطع من أراض مملوكة لمصريين، بل إن مئات الأفدنة من أراضى المصريين الموقوفة فى السعودية لا تدرى الحكومة المصرية شيئًا عنها. أوقاف مصر فى السعودية تقدر بالمليارات، وتسبب إهمال وزارة الأوقاف وقلة كفاءتها، مع فساد الأنظمة السابقة فى ضياع حقوق ورثة هذه الأوقاف، فعلى الرغم من كل ما تملكه الوزارة من مستندات وحجج تثبت ملكية هذه الأوقاف لمصريين، إلا أنها فشلت فى إدارة القضية وتركت أملاك المصريين عرضة للانتهاك والضياع. هذه المعلومات أكدها لنا اللواء أحمد جلبى الخربوطلى، مؤسس جمعية «مستحقى الأوقاف الأهلية» والمشهرة برقم 4917، والذى قال إن مصر تمتلك مئات الأفدنة كأوقاف فى السعودية، خاصة حول البيت الحرام فى مكة والحرم النبوى فى المدينةالمنورة، مشيرًا إلى أن هذا كان نتيجة تنافس أغنياء مصر قديمًا فى إنشاء الأوقاف المختلفة بالعديد من الدول الخارجية، وهدفهم وقتها كان توفير ما يلزم من أموال للإنفاق على فقراء تلك البلاد، فقام رجال الخير المصريين بشراء أراض بالحجاز والمدينةالمنورة بالسعودية وأوقفوها للصرف على الحرمين الشريفين، وهذه الأوقاف - على حسب تأكيدات جلبى - حق لورثة الواقفين المصريين. أوقاف بالمليارات وأضاف جلبى فى تصريحات خاصة ل «الصباح» أن هذه الأوقاف تقدر بالمليارات، فعلى سبيل المثال لا الحصر وقف «أبوبكر عبدالله الرومى» الشهير ب «بكير أغا الخربوطلى»، والذى كان واليا على مكة فى وقت من الأوقات وقام بشراء أراضٍ مساحتها 20 ألف متر مربع بحى المسفلة بمكةالمكرمة، ومنذ 5 أشهر قامت الحكومة السعودية بتقدير قيمة التعويض للورثة ب 100 ألف ريال سعودى للمتر الواحد، أى ما يقرب من 20 مليار ريال لقطعة الأرض، وذلك من أجل إجراء توسعات للحرم المكى، وتم إيداع قيمة التعويض بالفعل ببنك «الراجحى» بالسعودية لحين ظهور الورثة. واستطرد جلبى قائلًا: بصفتى من أحفاد «أبوبكر عبدالله الرومى» ذهبت إلى ديوان الأوقاف بالوزارة من أجل الحصول على الحجج القديمة التى تثبت ملكيتنا لهذه الأرض، لكن وكيل الوزارة لشئون البر والمحاسبة والأوقاف لم يساعدنا فى الوصول لهذه الأوراق التى تثبت أحقيتنا، كما أنه لم يسع للاتصال بالمسئولين بالسعودية، رغم وعود الورثة بالتبرع بنسبة 10 % من قيمة الأموال للدولة. وظهر الغضب بوضوح على وريث «والى مكة» القديم وهو يقول: «المملكة السعودية أقرت بأحقية المصريين وأودعت هذه الأموال ببنوكها، وعلى الرغم من ذلك هناك تخاذل من المسئولين المصريين فى وزارة الأوقاف، وعلى رأسهم الوزير فى الحصول على هذه الأموال الطائلة، رغم إقرار السعودية بأن هذه الأموال ملك للورثة المصريين». جلبى أشار إلى أن معظم الورثة فقدوا المستندات الدالة على صلتهم بتلك الأوقاف والتى تتيح لهم استحقاقها، لكن أصول هذه المستندات موجودة لدى ديوان الوزارة، التى ترفض اطلاع أى شخص عليها، حتى ولو كان من الورثة، فتسبب ذلك التعنت فى ظهور سماسرة الأوقاف الذين يقومون باستقبال الورثة الباحثين عن حقوقهم ويتفقون معهم على مبالغ لمساعدتهم الوصول إلى المستندات المخزنة لدى الوزارة، موضحًا: «نضطر للموافقة على شروط هؤلاء السماسرة الذين يدعون أن لهم القدرة على الاطلاع على جميع المستندات داخل الوزارة، بل وتسليمنا أصولها كأوراق إثبات ملكية الوقف، كأصل الحجة ورقمها وتاريخها ومشتملات الوقف، وكشف أسماء المستحقين الذى تقرر عام 1952 بواسطة نظار الأوقاف.. كل هذه البيانات والمستندات التى تتعمد الوزارة إخفاءها مما يصعب من مهمة الورثة فى إثبات حقهم. وأشار جلبى إلى أن من ضمن أوقاف المصريين فى السعودية وقف «عمر مستحفظان»، وهذا الرجل ورثته موجودين وأغلبهم يعيشون فى الشرقية، والوقف كان فى منطقة جبل عمر بمكةالمكرمة. ومنذ 3 سنوات الحكومة السعودية أودعت 47 مليون ريال سعودى كتعويض للورثة وتم إيداعهم أيضًا ببنك «الراجحى» بعد أن قامت بتسوية الجبل بالأرض من أجل إجراء توسعات بالحرم المكى، منوها الى أن إحدى الوارثات - وتدعى إيناس صقر - ذهبت إلى إدارة البنك للحصول على الأموال فأبلغتها إدارة البنك أن لابد لها من تقديم كل ما يثبت أنها من ورثة عمر مستحفظان، ولم تقتنع إدارة البنك بكشف شجرة العائلة التى اصطحبتها الوارثة، معها فى حين أن وزارة الأوقاف المصرية من المفترض أن تعاون الورثة فى أن يثبتوا أحقيتهم فى هذه الممتلكات من خلال إعطائهم الحجج الشرعية الأصلية والمستندات والوثائق القديمة، حيث إن لكل وقف ملفًا خاصًا به لدى الوزارة يوجد به الحجج وشجرة العيلة وخلافه. وتساءل جلبى عن سر تقاعس الوزارة عن معاونة الورثة فى الحصول على مستحقاتهم، فى الوقت الذى تؤكد فيه السعودية أحقية أحفاد مستحفظان عن التعويض عن ممتلكات أجدادهم، بشرط تقديمهم الأوراق والمستندات التى تثبت أحقيتهم فى ذلك.
وتابع جلبى: «توجد فى السعودية عدة أوقاف أخرى تخص ورثة عائشة هانم صديقة حرم صالح باشا فريد بالمدينةالمنورة، حيث تمتلك حوالى 25 فدانًا بمنطفة كامل العنبرية بالمدينةالمنورة، وأيضًا الحكومة السعودية قامت بشراء الممتلكات بقيمة 200 مليون ريال وقامت بإيداعها بأحد البنوك السعودية، بالإضافة إلى عدة أوقاف أخرى تخص ورثة الواقفين من الأشراف المصريين ووقف إبراهيم بك الكبير بالحجاز ويقدر ب 20 ألف متر، وأيضًا وقف تكية الأتراك والأغاوات بمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، والتى يمتلكه مجموعة من المصريين مثل خليل أغا وعثمان أغا وغيرهما». تواصلنا مع عدد من مستحقى الأوقاف الذين طالبوا بضرورة تشكيل لجنة لرد تلك الأموال للمستحقين منهم تكون مشتركة بين وزارة الأوقاف ومجلس إدارة «جمعية مستحقى الأوقاف»، للعمل سويًا على تجميع ورثة كل واقف، والتأكد من استحقاقهم بالفعل وتوفير ما ينقصهم من مستندات لإثبات أحقيتهم، ثم مخاطبة الجهات المختصة بالخارج لصرف هذه المستحقات، وهذا ما سيعود على الدولة باستفادة مادية كبيرة حيث تتقاضى نسبة 10 % نظير تعاون وزارة الأوقاف مع الورثة للحصول على هذه الأموال التى مازالت تنتظر فى البنوك السعودية، بالإضافة إلى اشتراط قيام الورثة بإيداع باقى الأموال فى أحد البنوك المصرية لمدة عام على الأقل لتعود بالفائدة على الاقتصاد المصرى الذى يعيش حاليًا مرحلة اهتزاز. وبمواجهة المهندس صلاح الجنيدى رئيس هيئة الأوقاف بهذه المعطيات أكد أن عشرات المواطنين يأتون بمستندات تزعم حيازتهم لهذه الأراضى أو تلك، ويدخلون فى قضايا مع الهيئة لا تنتهى لشىء، مشيرًا إلى أن أوقاف مصر فى السعودية سيتم استعادتها إلى الورثة الحقيقيين وليس المدعين بشرط اكتمال الأوراق والمستندات والحجج الرسمية الخاصة بها، وأن الهيئة دائما على استعداد للتعاون مع جميع المستحقين من أجل استرداد أموالهم من المملكة العربية السعودية . وأوضح مسئول داخل وزارة الأوقاف - طلب عدم ذكر اسمه - أن هناك فرقًا بين الوقف الأهلى والوقف الخيرى، مؤكدًا أن الملفات والحجج الرسمية الخاصة بالوقف الأهلى موجودة بالفعل داخل أروقة الوزارة، أما الحجج الرسمية الخاصة بالوقف الخيرى فموجودة فى ملفات هيئة الأوقاف المصرية وليست مسئولية الوزارة. ونفى تقاعس موظفى الوزارة فى التعاون مع مستحقى الأوقاف لاطلاعهم على المستندات والوثائق التى تثبت أحقيتهم، لكنه قال إن هناك بعض الموظفين داخل الوزارة من معدومى الضمير «معرضون للانحراف» نظرًا لظروفهم الاقتصادية الصعبة، مما يضطرهم لأخذ رشاوى من المواطنين، مشيرًا إلى أن الوزارة ممثلة عن الدولة فى إدارة أملاكها وأموال الله التى أوقفها أصحابها، وبالتالى فلا حل سوى التعاون بين مستحقى الأوقاف والوزارة للتمكن من عودة الأموال الموجودة بالممكلة العربية السعودية، لافتًا إلى أن الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف سيقوم بإجراء عدة اتصالات بالمسئولين بالسعودية من أجل عودة أموال المصريين.