عنونت مقالا فى ديسمبر بعبارة: «فى انتظار دراكيولا». فكرته أن الإمعان فى القتل خلال الشهرين السابقين للمقال تمهيد للأجواء لمجىء دراكيولا، المرشح الذى «سينقذ» البلد من الخراب. لا أدعى أننى كنت أفكر فى عمر سليمان بالاسم، فقد كنت أظن أن النظام السابق-الحالى أقل بجاحة من هذا، وأنه لن يعمد إلى تقديم مرشح يرتبط وثيقا بكل مثالب النظام السابق داخليا وخارجيا، مرشح ارتبط اسمه بتعذيب مصريين لحساب الولاياتالمتحدة، وتصدير غاز بخس الثمن لإسرائيل. بل وبسببه نشأت شكوك فى أن يكون الجهاز الذى رأسه فترة -جهاز المخابرات العامة- ضالعا فى حملات الإشاعات والتشويه التى تعرضت لها القوى الشبابية، تمهيدا للدخول إلى الساحة. من سواه يملك شرائط الفيديو المصورة خلسة، ويملك الوثائق الحقيقية والمزورة، التى تصيب والتى «تطوش»؟ من سواه يملك التحكم فى حناجر المذيعين، وينظم «سيمفونية» الكذب، فى الإعلام الرسمى و«المستقل» فى نفس الوقت؟ من سواه يملك سلطة تجعل القناة الأولى تذيع كذبا أن أحمد شفيق وخيرت الشاطر تنازلا لعمر سليمان؟ قيل إن أول خلاف حدث بين أركان النظام السابق إبان الثورة كان بين المخابرات العامة والداخلية (أمن الدولة). المخابرات اتهمت الداخلية بالفشل فى التنبؤ بما حدث فى مصر. من هنا جاء القبض على رجل الداخلية المتضخم حبيب العادلى وتقديمه للمحاكمة، ومن هنا جاء «السماح» باقتحام مقر جهاز أمن الدولة. لقد قال جهاز المخابرات العامة لأمن الدولة «تعالوا إنتو على جنب وإحنا هنتصرف مع العيال بتوع الثورة دول». المشكلة أن المخابرات العامة جهاز سيادى. حتى وقت قريب كانت الأجهزة المماثلة فى الدول المتقدمة تحتفظ بسرية أفراده، لا سيما قادته. لكن هذا تغير بعد 11 سبتمبر 2001، وبدأت دول كأمريكا وبريطانيا تعلن عن شخصية رئيس الجهاز بل وتوفده فى مهام علنية. كان الغرض من ذلك بالنسبة إلى تلك الدول التأكيد على أنها صارت تعطى أولوية كبرى ل«التعاون» المخابراتى، وتنتظر من الدول الصديقة أن تحذو الشىء نفسه. وبسرعة استجابت مصر وقدمت السيد عمر سليمان إلى الواجهة، وأعطته لقب «الوزير عمر سليمان»، دون تحديد وزير ماذا. لقد كان وزيرا للترحيل السرى، للتعذيب لصالح الولاياتالمتحدة، لبيع الغاز البخس لإسرائيل، لإدارة ملف فلسطين بالشكل الذى رأيتيه. وزير الأعمال «القذرة» خدمة لبقاء نظام مبارك، لا أكثر ولا أقل. كان نظام مبارك سيئا، وكان عمر سليمان جوهر هذا السوء. فهل هذا أفضل ما يملكه جهاز المخابرات العامة بعد الثورة المصرية؟! الآن أعتقد، يا جهازنا الوطنى «الواصل»، أنكم تتوقعون تماما ثورة ضد عمر سليمان، فهل قررتم الانقلاب؟ هل كانت لحظة اختياركم عمر سليمان هى اللحظة الفارقة فى هذا الانقلاب، فى حدود الوقت المتاح لكم؟ هل هذه لحظة خروج «اللهو الخفى» من مخبئه؟ هل هذه لحظة انكشاف «الطرف الثالث»؟!! هل ستتوقف تفجيرات خط الغاز، واضطرابات سيناء؟ المشكلة أن جهاز المخابرات العامة جهاز يتمتع بحصانة متعارف عليها، بسبب دوره «الوطنى» المفترض. هذا الدور يحتم عليه أن يعلو فوق التحازبات، وأن يحمى حريات المواطنين، سواء حريتهم من الاعتداء الخارجى، أو حريتهم فى الاختيار، وأن يحمى -من ثم- اختيارهم الحر هذا، لا أن يرسمه ويتحكم فيه. وهو إذ يدخل فى المنافسة عن طريق شخص رئيسه السابق يفعل كما فعل «أهل الدين» حين أقحموه فى السياسة. سيحاولون تقديم الجهاز على أنه حام للوطنية، كما الإسلامجية حماة للدين. سيتهمون معارضيهم فى وطنيتهم كما اتهمهم التيار الدينى فى دينهم. والكارثة أن هذين الفريقين يفترضان استمرار «الحصانة» المشار إليها سابقا حتى بعد أن يخوضوا غمار السياسة المباشرة. وهذا ما نرفضه. قاومناه مع التيار الإسلامجى، ويجب أن نقاومه مع «الجهاز الوطنى». الآن من حقنا أن نعرف تاريخ عمر سليمان وننقب عنه، دون أن يتفوه أحد بكلمة «ملفات حساسة» وما شابه. بعد ترشيح رئيس مخابرات مبارك، هل سنتحدث صراحة عن شكوكنا فى طبيعة الجهات التى نفذت الحرب المفتوحة على الثورة طوال العام السابق؟! لا بد! حتى مع معرفتنا بأن يد الجهاز طويلة للغاية. لسنا أفضل ممن ماتوا.