حسب الإعلان الدستورى الكارثى الذى أعده المجلس العسكرى مع الإخوان، حسب هذا الإعلان نفسه، فإن كتابة الدستور لا تتم إلا بعد انتخاب الرئيس. هذا مبدأ يجب أن لا يتنازل عنه أحد، فى أضعف الإيمان. وأنا أقول فى أضعف الإيمان لأن لا عذر لأحد بالرفض هنا. هذا هو المكتوب فى التعديلات الدستورية التى كان الإسلامجيون أول المؤيدين لها. هذا هو المكتوب فى التعديلات الدستورية التى أصدرها المجلس العسكرى نفسه. هذا هو المكتوب فى التعديلات الدستورية التى على أساسها يمثل نواب البرلمان الشعب فى الوقت الحالى. لكن الإسلامجيين لن يوافقوا على هذا أبدا. لماذا؟ لأن هذه هى الخيارات المتاحة أمامهم: أولا: رئيس قبل الدستور + التزام بصفقة اقتسام السلطة وتأييد الرئيس الذى يريده العسكر. فى هذه الحالة ستكون الضغوط عليهم فى كتابة الدستور كبيرة، لأن العسكر نالوا ما أرادوا والرئيس المنتخب منهم. ثانيا: رئيس قبل الدستور + رئيس مستقل أو حتى أقرب للإسلامجيين. نظريا، هذا أفضل خيار لهم، لكنهم بهذا يخلون باتفاق تقاسم السلطة مع العسكر، ولا يضمنون كيف سترد المؤسسة عليهم. كما أن الإخوان بطبعهم لا يملكون شجاعة المبادرة «بسبب عقدة من الماضى تحتاج إلى طبيب نفسى لا إلى سياسى». ثالثا: دستور قبل الرئيس، كما يصرون حاليا. فى هذه الحالة ستسمح لهم المؤسسة بكتابة الدستور، لكنها ستضغط من أجل مصالح فئوية قال الإسلامجيون بالفعل إنهم لا يمانعون فيها. يبدو فى الظاهر أن الأمور مستقرة فى هذا الخيار، لكن الحقيقة أن فيه خطرا لم ينتبه له الإسلامجيون وهم ينظرون إلى رقعة الشطرنج؟ الخطر أن الرئيس سيكون موجودا طبقا للدستور الجديد، أى كامل الأوصاف دستوريا، بينما سيكون البرلمان مطعونا فيه. والسيناريو الأسوأ بالنسبة إلى الإخوان هنا أن يصدر حكم دستورى يطعن فى البرلمان، ويحل الرئيس البرلمان ثم يرتبه على مزاجه. وبعدها يرتب للإخوان مكيدة تتعلق بالتمويل، أو بكون الحرية والعدالة حزبا مرتبطا بجماعة دينية. فى يد المجلس العسكرى أوراق كثيرة يسربها فى أخبار، لكنه لا يحرقها. وإن كنت لا أستبعد أن يستخدمها فى حينها. هناك بالطبع خيار رابع، ظهر فى تصريحات لمسؤولين فى الإخوان يلوحون فيها بنظام برلمانى، ويتلخص هذا الاقتراح فى أن يكتبوا الدستور أولا، بينما يحتفظون بورقة الرئيس لتخفيف ضغوط العسكر عليهم. ثم، وهذا هو الفارق بين هذا الخيار والخيار السابق، أن يأتى الإخوان بدستور يقلّص صلاحيات الرئيس بقدر الإمكان «التلويح بالنظام البرلمانى مجرد تهيئة للوضع لا أكثر، فالإخوان لن يفعلوها، والرأى العام ليس مهيّئا لها، ولن يوافق عليها السلفيون لأنها ستغيب (الإمام)». فى هذه الحالة فإن نسبة السبعين فى المئة التى حصل عليها الإسلامجيون لن تكون هباء. ولكن هل سيوافق العسكر على هذا؟ اللعبة سخنت، ومن الشيق متابعتها، لكن الأجدى بالنسبة إلى القوى المدنية أن تمارس دورا فاعلا فيها. لو اكتفت بالمشاهدة كما فعلت فى السابق فيجب أن لا يلوم سياسيوها إلا أنفسهم، فهذا قصور قاتل فى ممارستهم السياسية. ورأيى المتواضع هو أن تصر القوى المدنية على خيار الرئيس قبل الدستور. أولا لأن هذا هو الخيار الذى صوتت له الأغلبية فى الاستفتاء، وقد سمعنا الإخوان فى غير مرة يعتبرون أن أى تعديل فى هذا المسار انقلاب على الإرادة الشعبية. الآن دارت الدائرة ويجب أن تقول لهم القوى المدنية إن أى خيار غير انتخاب الرئيس ثم كتابة الدستور انقلاب على الإرادة الشعبية. أعلم أن هذا قد يفتح الباب أمام انفراد الإسلامجيين بكتابة الدستور، كما أوضحت أعلاه، أو يقوى موقف العسكر. فلنتذكر أن أسوأ الاحتمالين لن يكون أسوأ من كتابة الدستور بعد البرلمان وقبل الرئيس، لأن هذا يعنى أننا سننتهى إلى دستور يجمع رغبات العسكر والإسلامجيين معا. وهذه العبارة تعنى النموذج الباكستانى كاملا مكملا إن مضت فى طريقها، أو، وهو الأسوأ بالنسبة إلىّ، دولة عرجاء. سأعيد صياغة ما قلته سابقا: هذه الدولة العرجاء سيكون فيها رئيس منتخب طبقا للدستور الجديد، وبرلمان مطعون فى شرعيته لأنه منتخب طبقا للدستور المنصرم. صدقونى، لا أحد يريد هذا. ويجب أن لا تختاره القوى المدنية بدافع من قلقها من الإسلامجيين. الإسلامجيون وحدهم يمكن التعامل معهم أفضل مما يمكن التعامل مع المؤسسة العسكرية، أما خليط الإسلامجيين والعسكر فهو الهاوية نفسها.