علق البرادعى على مظاهرات العباسية بقوله تعالى: "فأما الزبد فيذهب جفاء"، هو قال انهم ليسوا مليون، وقصد انهم لا يمثلون المصريين، ثم وصف خروجهم بالزبد، والزبد يعنى "الكلام الفارغ"، بينما كلامه هو الذى يمكث فى الارض، لانه هو الذى ينفع الناس.. والذى لا ينفع، ولا حاجة! ليس دفاعا عن العباسية، لكنها ملاحظة على الماشى، والغرض ان كثيرا ممن نادوا بالديمقراطية، واستيعاب الاخر من قبل، هم نفسهم الذين يمارسون الدكتاتورية والتشكيك فى الآخر الآن. لدى البرادعى على "تويتر" تعليقات وتغريدات تشير الى هذا المعنى.. وغير البرادعى، لدى كثيرين ان الجانب الاخر من النهر، لاشىء، وكلام فارغ، لا ينفع الناس، ولا يمكث فى الارض. فى عصر الإليكترونيات، كل واحد متعلق من حسابه، ومن حسابه على "تويتر"، تستشف ان الدكتور البرادعى يرى انه هو الوحيد، او هو الاوحد.. ربما لذلك وصف تغطية التليفزيون المصرى لمظاهرات العباسية، بتغييب عقول المصريين، مع ان نقل المظاهرات فى حد ذاته حدث، حتى لو لم يكن على الهوى ولا على الكيف. وصحيح للتليفزيون آثام، لكن للاعلام الخاص خطايا ايضا. حتى ولو مشكوك فيهم حتى الآن، فالعباسية ظاهرة ورأى، وتجاهل العباسية الآن ربما يفتح الطريق بعد اعوام لتجاهل التحرير، او ازدراء ميادين اخرى. القضية ليست فى الميادين، المسألة فى تصوراتنا عن الميادين.. رغم ان دعواتنا لا تزال ان يكفينا الله وقفة الميادين. قال البرادعى إنهم عشرات فى العباسية، لذلك قال ان التليفزيون المصرى كذب لما وصفهم بالملايين. صحيح هى وجهة نظر، لكن الكلام الآخر وجهة نظر ايضا.. ففى التحرير لم يكونوا مليونا هم الاخرين، لكن احدا لم يتهم القنوات الخاصة بالكذب، لما حولوا لفظ المليونية الى مرادف للمظاهرات هناك! رغم المناصب والسفر واللف فى عواصم العالم، لا يزال البرادعي مصريًا، وعند المصريين، التصلب في الرأي تراث وعقار.. تراثنا عرض كالارض، والفلاح لا يبيع ارضه، ولما باعها عواد جرسوه في بلده وبقي ان يركبوه حمارا بالمقلوب، ويطوفوا به افاضة في البلد. سقطة البرادعى الاولى كانت امام لجان الاستفتاء في المقطم.. فلما قذفه بعضهم بالطماطم والطوب والزجاجات الفارغة هناك، قال لك بلطجية، مع انه هو الذي سمي اقتحام الموظفين مكاتب مديريهم في المصالح الحكومية وتكسير عظامهم وطردهم بعد يناير حرية رأي وتعبير وكبت ارجعه الى30 عاما من حكم مبارك. الشىء بالشىء يذكر.. فقبل يناير عاب الفقيه الدستوري يحيى الجمل على وصف نظام مبارك ثوار التحرير بالذين لا يمثلون المصريين، ولما دخل الدكتور الجمل الوزارة، وخرجت مليونيات التحرير مطالبة برحيله، استخدم الجمل نفس ما عاب عليى مبارك استخدامه من الفاظ. قال لك ان المنادين برحيله لا يمثلون المصريين، ووصف نفسه بالطود الراسخ، الذي لا يستطيع احد تحريكه من مكانه، والطود للعلم يعنى جبل.. واخلع نعليك انك بالوادى المقدس طوى! بقي للجمل وقتها ان يقول "خليهم يتسلوا"، وبقي ان يقولها البرادعي الآن. نفس الفكر ونفس الاسلوب، واللي حرام عليك يا جاري، حلال على حماري.. المثل الفلاحي شديد التشبيه، عظيم الدلالة.. كله عند العرب صابون، وكله عندنا يصلح لغسيل الصحون.