على استحياء وبدفء مشوب بالحذر، بدأ اليوم الثلاثاء شهر طوبة لعام 1735 القبطي والذي يعد أحد 19 تقويما تحكم شعوب العالم من شرقه إلى غربه أبرزها التقويم الميلادي والهجري، والتقويم القبطي هو النظام الفرعوني للتقويم المصري القديم الذي يحتفظ به المصريون حتى الآن باعتباره جزءا من التراث الفرعوني، وحتى يومنا هذا يستعين به الفلاحون في تنظيم دوراتهم الزراعية، حيث يتطابق مع تغيرات الطقس على مدار العام. ويعتبر التقويم القبطي المكون من 12 شهرا التاريخ الرسمي لطائفة الأقباط في مصر حتى اليوم، حيث تم اتخاذ تاريخ ولاية الإمبراطور الروماني "دقلديانوس" حكم مصر بداية للتقويم القبطي تخليدا لشهداء الأقباط الذي نكل بهم هذا الإمبراطور الوثني لتمسكهم بعقيدتهم المسيحية ورفضهم تأليهه وعبادته، وتحددت بداية هذا التقويم على هذا الأساس بيوم 29 أغسطس من عام 284ميلادية والذي يقابلها أول شهور هذا التقويم وهو (شهر توت). ورغم أنه لا يأخذ مكانه في المكاتبات الرسمية، وتواريه في زاوية بعيدة على صفحات الروزنامة (النتيجة) المستخدمة في تحديد التواريخ والتذكير بها إلا أنه مازال يمتد وينساب بسهولة ويسر في الوجدان المصري، لما يمثله من دائرة معارف شعبية زراعية فلكية متميزة ترسخت في التراث المصري الأصيل. وشهر طوبه هو الشهر الخامس في السنة القبطية (المصرية)، ويقع تاريخ قدومه في الفترة ما بين 9 يناير و7 فبراير من كل عام في التقويم الميلادي (الجريجورى)، ويسبقه شهر كهيك المشهور بقصر يومه وطول ساعات ليله، ويعقبه شهر أمشير المميز بزعابيبه. ويبلغ عدد أيام شهر طوبه 30 يوما، وترجع تسميته إلى الإله (أمسو أو طوبيا) الأسمى أو الأعلى أو اله المطر الذي سميت باسمه مدينة طيبة بالأقصر، وكلمة طوبيا معناها أيضا غسيل أو تطهير، وفيه تنمو الطبيعة من كثرة المطر وتخصب الأرض، حيث يعرف شهر طوبه بأنه أول شهر في موسم النمو (البروييت) في مصر القديمة، وفيه تبدأ الحقول في الازدهار والنماء بعد العواصف التي تأتي فيه، ويبدأ الزرع والمحاصيل في تغطية الأراضي الزراعية. ولأن الشهور القبطية أفرزت أمثالها الشعبية التي تعبر عن كينونتها المناخية وأثرها على الإنسان، فقد تعلق شهر طوبة الذي يعد الأبرد في العام بأمثال "طوبة تخلى الصبية كركوبة" من كثرة البرد والرطوبة، "طوبة أبو البرد والعنوبة (الآلام)"، وأشهر ما يمتاز به هذا الشهر "ماء طوبه" ذات المذاق المثلج الجميل، لذا يقال أيضا في الأمثال "أبرد من مية طوبة" على الأشخاص ذوي المشاعر الباردة. "طوبه اللي يخلى الصبيه كركوبة" مثل شعبي عالق في أذهان المصريين يتردد كثيرا كلما حل عليهم شهر طوبة، إلا إن بدايته هذا العام تعتبر خادعة، فقد شذ عن العرف ببرودة طقسه الذي يصل لحد الصقيع حيث كان أكثر الشهور التي يعاني فيها المصريون من شدة البرد والعواصف، وخلال الأيام القليلة الماضية أصبح الشغل الشاغل لجميع المصريين اختلاف الطقس عن المعتاد، وترقب هجمات البرد في أي لحظة، إلا أن تعرض مصر لكتل هوائية قادمة من الجزيرة العربية، أكسبت طقس مصر على مدى اليوم وأمس دفئا ممتعا رغم برودة الليل التي تصل لحد الصقيع. أسباب أخرى تسببت في الثوب الجديد الذي جاء به شهر طوبه، وأبرزها التغيرات المناخية التي يعانى منها سكان كوكب الأرض بكامله، ومبدأ سلف الشهور والعشرات الثلاث اللذان يعتنقهما "أشهر طوبه وامشير وبرمهات"، حيث يتبادلوا مايتميزون به من برد وزعابيب ودفء بنظام العشرات، فيحتضن كل منهم على 10 أيام برد، أخرى زعابيب، وثالثة دافئة. حتما سيكشر شهر طوبه عن أنيابه، فمازال أمامه 30 يوما للرجوع إلى هويته قارصة البرودة، وسيلجأ المصريون كالعادة إلى حساء العدس، والفول السوداني، والبرتقال واليوسفي، والبطاطا المشوية، والسحلب والقرفة بالزنجبيل والشاي للدفء والهروب من قسوة برده.