الرهان في مصر سيبقى حتى ما بعد تنصيب الرئيس الفائز في الانتخابات (محمد مرسي أو أحمد شفيق)، يدور حول احتمال دخول ثورة 25 يناير في «غيبوبة»، بالأحرى قدرة قرارات المجلس العسكري على «تطويع» القوى المدنية، بما فيها جماعة «الإخوان المسلمين» التي كانت لا تزال قبل أيام في طليعة المحظيين بمسار 25 يناير. يقول «عالِم جيولوجيا» أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي إن ما تشهده مصر والعالم العربي «عاصفة تُبدِّل طبقات الأرض، وتتكرر كل مائة سنة... هى أكبر من ثورة». يعترف أشكينازي بأن العاصفة باغتت الدولة العبرية. يحاول أن «ينصف» الرئيس المخلوع حسني مبارك وهو في النَّزْع الأخير: «ما زلنا نذكره يجرّ عرفات إلى طاولة اتفاقات أوسلو، ويرغمه على التوقيع»! وبعيداً عن العامل «الأخلاقي» في شهادة الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي، قد يظلم «الإخوان» سؤال من نوع: "هل تقوى جماعتهم على مقاومة المجلس العسكري الأعلى في سعيها إلى تبديل «طبقات الأرض»، فيما هو يكبّلها وبقية الأحزاب بإعلاناته الدستورية؟". فيصبح منذ حل مجلس الشعب (البرلمان) في مواجهة: «الإخوان» والسلفيين وائتلاف الثورة وبقية القوى الليبرالية، فيما تتململ الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وبعض مَنْ في المجلس الأعلى للقضاء. في المواجهة، طعون وطعون، حتى تقطَّعَ حبل الشرعية الذي يُفترض أن العسكر وحدهم الآن يُمسكون به، ولا يتصدون لاتهامهم بشد هذا الحبل على عنق المسار الانتقالي إلى الديمقراطية. وإذا كان صحيحاً أن بين الذين احتشدوا في ميدان التحرير قبل يومين، مَنْ هتفوا بإعدام المشير، فالصحيح كذلك أن بين المصريين مَنْ يؤكد تأييد «قوى كثيرة» للإعلان الدستوري الذي استعاد به المجلس العسكري سلطة التشريع. ويستغرب هؤلاء «ازدواجية» جماعة «الإخوان المسلمين» التي كانت في بداية الثورة مع المنادين بتقليم أظافر «الفرعون» الرئيس، القائد العام للقوات المسلحة، ثم انقلبت في «مليونية قندهار» في الميدان، على خفض العسكر صلاحيات رئيس الجمهورية. فحتى لو أُعلِن اليوم فوز مرسي، سيبقى خفيض الجناحين في ظل «أبوّة» المجلس العسكري، وإلى أن تُعاد انتخابات البرلمان بعد نحو 3 أو 4 أشهر. وفي حال أُعيدت، لا ضمان بانتزاع «الإخوان» وحلفائهم السلفيين الغالبية المطلقة في مجلس الشعب، والتي من دونها لا يمكنهم تحقيق أي تبديل في طبقات النفوذ، وتوازن السلطات بسهولة. بهذا المعنى، قد لا يخطئ القائلون بأن العسكر أجادوا دهاءً في «السياسة» أكثر من الأحزاب، فتقلَّبَ مسار المرحلة الانتقالية في أيديهم وفق ما يلائم إبعاد شهية الثورة عن نفوذ المؤسسة العسكرية ومصالحها. بادلته الجماعة اللعبة ذاتها، واستمر عض الأصابع لتبديل «طبقات» الثورة وحلقات القرار على مدى 18 شهراً. ما تبدّل هو أن المجلس العسكري بات يملك «بلطجية» يرهبون الناس والأحزاب كما يعتقد محتجون في ميدان التحرير، يهتفون لتحرير البرلمان المنحل وحماية «شرعيته». ما تبدّل هو أن مسرح الصراع الذي بات بين العسكر و«الإخوان»، يهتز منذ شهور، وأن هوية المتهم بخطف الثورة تغيّرت. اليوم، وفي حال أصرّ أحمد شفيق على «شرعية فوزه»، لا يمكن المجلس أن يُبطل انتخابات الرئاسة في سبيله. والأرجح كما تشي بيانات العسكر وطروحاتهم أنهم حتى لو فاز مرسي، باتوا مطمئنين إلى استبعاد استئثار جماعة «الإخوان» بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، فيما يجتهدون لتمرير الدستور الجديد أو إنجازه قبل إعادة الانتخابات النيابية. هم يقطفون ثمار سقطة الجماعة التي حفرت خندق نفورٍ وخوفٍ لدى المصريين، منذ كشفت سعيها الى إحكام قبضتها على الدولة. ولكن، بعيداً من موازين القوى، وتعطش المصريين إلى عودة الاستقرار، وتحريك مؤسسات الدولة وعجلة الاقتصاد الذي تحطمه الاحتجاجات والإضرابات، وبصرف النظر عن «دهاء» المجلس العسكري.. ستبقى خارج النقاش لدى الذين أطاحوا نظام مبارك، أي مفاضلة بين «ديمقراطية العسكر» و«دولة الإخوان»، مهما طال زمن تبدل طبقات الثورة. نقلا عن "الحياة اللندنية"