صرخ صرخة مدوية لتهرع إليه، سمعت دوي وقعته على الأرض ورأت الضوء المرتعش يتراقص على وجهه ، أحس هو برعشة يد الصغيرة ذات الخمس صيفيات، حين ركعت ومالت نحوه ناظرة إلى عينيه، عيناه اللتان ماكادتا تبتسمان لها حتى راحتا في سبات لتتصاعد رائحة قوية لعرقه وبولها الذي عجزت عن التحكم فيه.. حينها صرخت عليه.. - بابا .. بابا ماتموتش وتسيبني.. طيب استنى لما ماما تيجي من الشغل تخطاه الضوء ليسقط على شعرها الأسود المنسدل فوق صدره العاري المبتل بدموعها والمغطى بخوفها.. استيقظت لتجد نفسها ذات الأربعة عشر ربيعاً ممسكة بورقة وقلم وحلم لا ينتهي، خرجت من غرفتها تحثه على قراءة ما سطرته ضمها بيد واحدة وفي يده الأخرى حقيبة سفر - إنت مسافر - مممممم - طيب إقرا دي قبل ما تمشي كتبتها علشان عيد ميلادك - حلوة.. حلوة - بابا انت لسة ما قريتهاش -أي حاجة منك حلوة.. يلا سلام انقطعت الكهرباء حين سمعت صوت الباب يغلق وراء حقيبته. نزلت إلى الشارع حيث ضوء الشمس الساطع تجري وراء تلك السنين العشرين يسير بجانبها حلم أسمر أشعث يطل من عينيه عشقاً لا ينقطع.. آملةً في صيفيات قادمة رائعة.. عبرا سوياً منحدر الشارع السكندري العتيق متجهين صوب الميناء.. أحاط بكفيه وجنتيها مقبلاً جبهتها واعداً بغد قريب وبينما كانت تلمح بطرف عينها تلك السفينة تلهث وراءها شمس تجتهد ألا تغيب أردف قائلاً: - سنتين بس - طيب - أنا راجع -هاستنى تمتمتها وهى تعلم أن غده لن يأتي..!! قررت أن ترتدي له الفستان الأزرق.. الفستان ذو الورود البيضاء الذي أهداها إياه في خريفها الماضي احتفالا بأربعين عاماً آتية لهما معاً.. ابتسمت حين تذكرت كلماته الرقيقة. ذهبت في موعدها تقفز متناسية ثلاثين خريفاً من الخيبات تحملهم على كتفيها لا تتذكر سوى تلك الابتسامة الرائعة وعينين تقطران عشقاً وحلماً بشقة تضع صورهما سوياً على جدرانها. انتظرته في مكانهما المعتاد حتى بدا ضوء القمر خابياً.. تأخر.. ليست بعادته، أرسلت له رسالة قصيرة تبثه أشواقها وتقول له إنها منتظرة.. اعتذر برسالة أقصر "ظروفي ملخبطة.. هاكلمك" ابتسمت بحسرة وقالت: "أعلم جيداُ ما لا تعلمه أنت".