أي حركة هي حركة للأمام حتي لو تحركت للخلف فوق أو تحت فأنت تتحرك إلي الأمام في الزمن. كنت أحس بإنهاك نفسي وجسدي شديد بعد انقضاء أيام الغضب والرحيل والمراقبة والمراجعة.. مسيرات، حوارات، صرخات وفيس بوك يحضر الثورة والقلق إلي داخل المنزل. مارس هو شهر الرحيل والاحتفال ففيه ولدت فاطمة ابنتي في سان فرانسيسكو التي مازالت تعيش فيها مع والدتها وكان علي أن أشد الرحال للاحتفال بعيد ميلادها وهو (8) من نفس الشهر.. اليوم العالمي للمرأة. وخلال انهماكي في عملية الإعداد سمعت صوتا مألوفا.. تويك تويك.. طيب إيميل جديد.. عندما شيّكت عليه ( فحصته) وجدته دعوة من ( كاتيا ) تدعوني للمشاركة كضيف في معرض ( هواء عليل.. لم يخرج من الفم ) وللمصادفة السعيدة في سان فرانسيسكو. وبعد سين وجيم وضحت الصورة.. كاتيا أمريكية رقيقة من أصل كوري تنظم معرضا حول فنون الحرية والجنود المجهولين للحرية.. ومن خلال ثورة الشعب المصري كانت في حالة تسمر بالجسد أمام التليفزيون مبهورة ولكن روحها كما قالت لي كانت في القاهرة في التحرير، قالت لي هذا في أول لقاء جمعنا في stramos، حيث وجدت عينيها تسبحان في دموع ما لبثت أن هطلت بغزارة أدهشتني وأدهشني كم حماسها لشباب مصر كيف صالوا وجالوا وواجهوا القسوة الغاشمة بسلمية غامرة، قالت: قرأت ومارست الروحانيات طوال عمري، وكان حلمي الدائم أن أري معجزة.. إيماني كان ناقصاً.. أكمله المصريون.. احتضتني.. ربت علي كتفها وبكينا سويا. قالت لي كاتيا إنها تعد لهذا المعرض منذ عام كامل، ولكنها أحست دائما أن هناك شيئا مفقودا وإذا بها وهي تتصفح أخبار مصر تقع عيناها علي رسومي والتعليقات عليها في الفيس بوك (أكتب بالإنجليزية في الأغلب) أن معرضها قد اكتمل.. مصر يجب أن تكون حاضرة، وبالتحديد أعمالي التي كتبت عليها ليست للنشر وخصصتها لمتابعة الثورة قبل وبعد وأثناء. لم يكن الافتتاح فقط مبهرا، بل كل شيء كان، قاعة مهيبة، فنانون مهمون قضوا عاما في الإعداد لهذه الاحتفالية، وكنت ضيف الشرف لأمثل مصر.. عشت في سان فرانسيسكو سنوات طوالا قبلها، لم أشهد فيها هذا الحب، لم أر دفئا في العيون التي احتضنتني في كل لحظة.. لم أكن أكرم لشخصي، بل حتة من ريحة مصر، كانوا يحتضنوني بحثا عن رائحة أو تراب الميدان الذي ألهب خيالهم ثم أثلج قلوبهم بنهايته السعيدة ( لسه مانتهاش) شيء واحد مشترك بينهم أنهم أكدوا لي أنهم كانوا يغلقون أعينهم يتمتعون بالصلوات ويرسلون أرواحهم لتتطهر في التحرير.. قالوا لم نعد كما كنا تحولنا، تطورنا.. لسنا نفس الأشخاص قبل ثورة شعب مصر. تذكرت مقولة كنا نرددها في الميدان (أنا حاسس إني في الحرم). في وسط الأحضان (وهي شيء ليس مألوفا بهذه الحرارة هناك ). أمسكت فاطمة ابنتي التي أراها مرة كل عام بيدي وقبلتها واو بابا أنت مشهور (فاطمة سبعة أعوام) ابتسمت لها.. يا ريت. استمر المعرض من 5 إلي 31 مارس لم أحضر الحفل النهائي وتسلم الهدايا التذكارية، فطائرتي كانت حائلا دون هذا. ثلاثون يوما قضيتها في سحر تجلله كلمة السر مصر، فأينما ذهبت إلي المسجد هللوا لسه جاي من مصر، فتسمع الله أكبر يعيش شعب مصر ثم في الكنيسة (كانت هناك محاضرة عن المد الثوري العربي الجديد) التوحيدية، حيث لفت نظر المحاضر أنني كنت في التحرير لأجد الجميع يُديرون مقاعدهم في اتجاهي وكأن الشمس تشرق من اتجاهي.. كنت أتمني أن أحضر ناقلات وحاويات عملاقة حتي أستطيع أن أنقل فيها هذا الكم، وهذا الحب الذي كانت كلمة مصر هي مفتاح السر فيه. حين تحاورت مع إيلينا محررة الواشنطن ريبورت حول مصر ورؤيتنا المستقبلية لها أكدت لي أن المصريين يجب أن يصبحوا فنانين حتي يستطيعوا أن يرسموا المستقبل، يجب أن يتمتعوا بخيال خصب وضربات ساحقة للتخلص من الشوائب ال.. التي لا تزال تشوه طهارة الثورة. وقد أكد قولها زوجها الأستاذ بجامعة سيتي كولديج فيل باسكيوني علي أن الثورة لابد أن تحقق أهدافها كاملة وألا يسرقها انتهازي. أعجبهم فكرة التليفون الملحق بأعمالي.. حيث قمت بإضافة سماعة تليفون متصلة بمشغل رقمي عليه بعض هتافات التحرير، ورواية عن مقاومة رسامي كاريكاتير مصر للظلم ودورهم في الثورة قبل وأثناء وخلال الثورة. وتستطيعون أن تحصلوا علي المقابلات التي تمت أثناء المعرض وهي مواد فيلمية مصورة بكاميرا الحاسوب علي الموقع: انقضي الشهر ومصر حاضرة بقوة في سان فرانسيسكو من خلال الكثير من المحاضرات والحلقات النقاشية والدراسية وكأن مصر تتمدد وتتمدد بعد أن ظلت تنكمش وتنكمش لفترة طويلة.. تتمدد مصر وتتقارب أجزاؤها، ولكن يظل شيء ما يحول دون هذا التطور الطبيعي، لكن ما شاهدته في أمريكا وإنجلترا يقول لي إن قلب العالم صار مصريا، وصارت كلمة التحرير في القواميس العالمية، بقي أن يعي المصريون أنفسهم حجم معجزتهم وأن يتركوا الكفتة والكباب، ويأخذوا بالأسباب وأن يحلقوا بأحلامهم وطموحاتهم إلي السحاب.