يبدو أن العلاقات المتقاربة والتوافقات التي تحاول تركيا إقامتها مع روسيا خلال الفترة الأخيرة، بعد إعلان المصالحة بينهما، لن تستمر طويلًا، حيث تحاول تركيا التحرك خارج الدائرة التي رسمتها لها روسيا في سوريا، الأمر الذي لن تسكت عليه موسكو كثيرًا. قبل أيام كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن نظيره الأمريكي باراك أوباما طرح فكرة عمل مشترك مع تركيا للسيطرة على مدينة الرقة، الواقعة تحت نفوذ من داعش، وقال أردوغان للصحفيين على طائرته أثناء عودته من قمة مجموعة العشرين في الصين: أوباما يريد أن نقوم بشيء معًا فيما يتعلق باستعادة الرقة. وأوضح أنه أبلغ نظيره الأمريكي موافقته على مقترحه، وقال: أعلنا من ناحيتنا أننا ليس لدينا مشكلة في ذلك، وقلنا فليجتمع جنودنا معًا، وسيتم عمل كل ما يتطلبه الأمر. وشدد الرئيس التركي على أن بلاده يجب أن تثبت موقعها في المنطقة، ولا يحق لها التراجع ولو خطوة واحدة. من جهت، قال وزير الدفاع التركي، فكري إيشق، إن بلاده تساند العملية التي تهدف إلى طرد تنظيم داعش من الرقة، لكنها تشترط ألا تكون وحدات حماية الشعب الكردية القوة الأساسية فيها، وقال إيشق قبل اجتماع مع نظيره الأمريكي "آشتون كارتر" في لندن إنه ينبغي ألا تكون وحدات حماية الشعب محور أي جهود لاستعادة الرقة، مضيفًا: ما تصر تركيا وتركز عليه هو أن العمليات يجب أن تشنها القوات المحلية في المنطقة، بدلًا من الاعتماد على وحدات حماية الشعب وحدها. يبدو أن طموح أردوغان في سوريا يتخطى الحدود الروسية التي رسمتها الأخيرة له، فعندما أعلنت تركيا عن عملية "درع الفرات" في الشمال السوري يوم 24 أغسطس الماضي، والتي دخلت بموجبه القوات التركية إلى مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي، أبدت روسيا وإيران وسوريا رفضها ضمنيًّا وبلهجة منخفضة؛ على اعتبار أن التدخل التركي في جرابلس كان يصب في الصالح السوري، المتمثل في منع إقامة دولة كردية منفصلة عن سوريا، تشكل تهديدًا لأمنها القومي، لكن عندما أعلنت أنقرة قبل أيام عزمها مشاركة أمريكا في عملية الرقة، هنا جاء الرفض الروسي الصريح. أعربت وزارة الخارجية الروسية أمس الخميس عن قلقها البالغ من هذه الخطط التركية – الأمريكية، مشيرة إلى أن هذه العمليات العسكرية تجري بلا تنسيق مع السلطات السورية الشرعية، ودون تفويض من مجلس الأمن الدولي. وقال بيان وزارة الخارجية الروسية: بذلك توضع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها في خانة الشك. وأكد أن التوغل التركي سيؤثر سلبًا على الجهود الدولية الرامية إلى وضع قاعدة للتسوية السورية، وإيصال المساعدات الإنسانية بلا انقطاع، كما دعت روسياتركيا إلى الامتناع عن أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في سوريا، وحذرتها من أن عملياتها العسكرية داخل سوريا قد تعقد الوضع العسكري السياسي الصعب في هذه الدولة. من جهة أخرى فإن التعاون الأمريكي التركي، حتى وإن اقتصر على الدعم اللوجستي والجوي الأمريكي فقط لتركيا في معركة جرابلس، وخاصة في منطقة الراعي، والذي وصفه أردوغان بأنه "تعاون مريح"، لا يروق للدب الروسي الذي يترقب في حذر أي تعاون وتفاهم وتنسيق بين الطرفين، خاصة بعد أن أصبحت واشنطن في موضع محاولة استرضاء تركيا التي شنت عليها هجومًا عنيفًا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة والأزمة التي اندلعت بين الطرفين بسبب تسليم واشنطن "فتح الله جولن" للسلطات التركية، وهو ما ظهر في زيارة نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لأنقرة الشهر الماضي، والذي تبعه تدخل القوات التركية في جرابلس في اليوم نفسه بغطاء جوي أمريكي. تنظر روسيا لهذا التعاون الأمريكي التركي على أنه على حساب عمليات الجيش السوري والقوات الروسية في مناطق أخرى، أو أن تكون أنقرة تحاول التقارب من واشنطن والتعاون معها في الرقة وجرابلس مقابل تمرير مشروعها لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، تفصل بين المناطق التي يسيطر عليه الأكراد؛ لمنع قيام إقليم كردي بين شرق نهر الفرات وغربه من جهة، ولإنشاء منطقة آمنة على الحدود السورية بعمق 40 كيلومترًا وبطول 98 كيلومترًا من جهة أخرى، وهو المشروع الذي ترفضه كل من روسياوأمريكا، الأمر الذي يجعل موسكو تراقب التحركات الأردوغانية بحذر، حيث تريد روسيا أن تتدخل تركيا في سوريا بالشكل والكيفية التي تحددها موسكو فقط، شرط ألا تتعدى أنقرة الخطوط الحمراء التي رسمتها لها موسكو. من جانب آخر فإن أمريكا، من خلال إعلان تعاونها مع تركيا في تحرير الرقة من سيطرة داعش، في نفس الوقت الذي تكثف فيه اجتماعاتها مع روسيا للتوصل إلى اتفاق بشأن سوريا يقضى على وقف الأعمال العدائية في سوريا وعلى هدنة في حلب وفتح طريق لمرور المساعدات الإنسانية إلى المدينة، يوحي بأن واشنطن تسعى لكسب المزيد من الأوراق في سوريا؛ حتى تستطيع أن تتفاوض مع موسكو من موقع قوة، خاصة في ظل فشل كل الاجتماعات التي عُقدت بين مسؤولي الطرفين في مسعى للتوصل إلى اتفاق، سواء تمثلت هذه الأوراق في احتلال مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش مثل "الرقة"، أو في احتلال مناطق يسيطر عليها الجيش السوري. في النهاية يرى بعض الخبراء أن واشنطنوأنقرة لا يمكنهما تحرير الرقة دون موافقة روسيا وإيران، وأن تركيا لا يمكنها التحرك داخل الأراضي السورية، سواء في شمال البلاد، أو في الرقة دون موافقة الحكومة السورية وروسيا وإيران، حيث إن القوات الجوية الروسية تسيطر على المجال الجوي السوري جزئيًّا؛ لهذا يجب التنسيق مع الجانب الروسي، وبالتالي الإيراني والسوري، فبمجرد وصول تركيا إلى مدينة الباب أو إلى الرقة دون التنسيق مع روسيا وإيران وسوريا، سيكون هناك تماس مع الجيش السوري وحلفائه، ما ينذر باشتباك مباشر بين الطرفين.