في خطوة تؤكد التقارب السوري الجزائري في الفترة الأخيرة، والرغبة المشتركة في تعزيز التعاون وكسر الحصار الدبلوماسي الدولي المفروض على دمشق منذ فترة ليست قليلة، قام وزير الشؤون العربية والإفريقية الجزائري عبد القادر مساهل الأحد الماضي بزيارة سوريا، وهي الزيارة الأولى لمسؤول حكومى جزائري منذ 2011 في أعقاب اندلاع الأزمة السورية. وتأتي هذه الزيارة بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للجزائر، الأمر الذي يشير إلى الانسجام الجاري بين الحكومتين تجاه القضايا الإقلمية، رغم الضغوط الصعبة في المنطقة، لا سيما التي تفرضها دول الخليج على الدول العربية، التي لم تقطع علاقتها مع سوريا حتى الآن. وبحسب الخارجية الجزائرية فإن زيارة المسؤول الجزائريلسوريا ستمكن من استعراض الأوضاع الأمنية والسياسية المرتبطة بالقضية السورية، وكذلك بحث المستجدات الإقليمية مع كبار المسؤولين السوريين وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد. وكانت الجزائر قد رفضت في السابق تجميد عضوية دمشق في جامعة الدول العربية، وتصدت لمحاولات فرض عقوبات على بشار الأسد، كما أنها أبقت على علاقاتها الدبلوماسية، ولم تغلق سفارتها هناك، رغم تردي الظروف الأمنية. وأضافت وزارة الخارجية الجزائرية أن "الزيارة ستشهد انعقاد الدورة الثانية للجنة المتابعة، التي سيترأسها الوزير مساهل ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري همام الجزائري؛ لبحث مختلف جوانب التعاون بين البلدين، وسبل ترقيتها وتوسيع مجالاتها"، حيث تختص لجنة "المتابعة الجزائرية السورية" ببحث التعاون بين سلطات البلدين في مختلف المجالات، وعقد آخر اجتماع لها في العاصمة الجزائرية في يوليو 2009. الصحراء الغربية وعلاقات متوترة مع الخليج العربي اختلف الموقف الجزائري من الأزمة السورية كثيرًا عن مواقف الدول العربية الأخرى، خاصة الخليجية، منها كالسعودية وحلفاؤها. فبينما كانت الدول العربية تتسارع واحدة تلو الأخرى في قطع علاقتها مع الحكومة السورية، تريثت الجزائر، والتي كان لافتًا برودة موقفها في العامة إزاء ثورات الربيع العربي بأكمله، في وقت تسابقت فيه دول خليجية وعربية في دعمها، الأمر الذي أسقط حكامًا، وأدخل دولًا في دوامات من العنف والفوضى. كما يبرز في واجهة الخلافات الخليجية مع الجزائر هنا تحفظ الأخيرة على تصنيف جامعة الدول العربية "حزب الله" اللبناني منظمة إرهابية، ورفضها التدخل الذي قادته المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وامتناعها عن المشاركة في التحالف الإسلامي الذي تبنته المملكة، إضافة إلى احتفاظها بعلاقات جيدة مع القيادة السورية. وأصابت هذه المواقف العلاقات الجزائرية السعودية خاصة بنوع من الفتور، وهو ما اضطر الرئيس الجزائري إلى توضيح الأسس التي تبني عليها بلاده مواقفها من مجمل قضايا المنطقة. على الصعيد الآخر يرى الكثير من المراقبين أن زيارة المسؤول الجزائريلسوريا تعبر عن لهجة تعكس بطريقة غير مباشرة ردًّا دبلوماسيًّا جزائريًّا على "تخندق دول التعاون الخليجي مع المغرب" ضد ما تعتبره الجزائر الشرعية الدولية التي تتمسك بها في حل القضية الصحراوية من خلال استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي. جاءت القمة الخليجة المغربية منذ أيام قليلة؛ لتقف في مواجهة الرؤية الجزائرية في ملف الصحراء الغربية، والتي كثيرًا ما تتشابك مع نظيرتها المغربية، حيث خرجت القمة ببيان دعمت فيه موقف المغرب في ملف الصحراء، مؤكدة موقفها الداعم لمغربية الصحراء، ومساندتها لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المغرب كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، وهو الأمر الذي اعتبره سياسيون جزائريون موجهًا للجزائر. قبل أسبوعين أوفد الرئيس بوتفليقة مستشاره الخاص الطيب بلعيز إلى الرياض؛ لشرح مواقف الجزائر. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن بلعيز قوله، على هامش لقائه العاهل السعودي، إن مواقف بلاده المغايرة لمواقف أشقائها العرب نابعة فقط من موروثها التاريخي منذ الثورة، والذي يقضي بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى، إضافة إلى أن دستورها يمنع مشاركة قواتها في أي نشاط خارج حدود البلاد. وقال سفير الجزائر في دمشق السابق كمال بوشامة في تصريحات صحفية تعليقًا على الخلاف الجزائري السعودي إن بلاده لا تخاف من السعودية، عندما تقرر التقرب من النظام والشعب السوري، موضحًا أن زيارة مساهل تدخل في إطار الدعم اللامشروط للدول العربية التي تعاني من الغدر، وتحارب من يريد تقسيم ترابها. وساطة جزائرية بين سورياوتركيا بطلب أردوغان في أعقاب زيارة وزير الخارجية السوري للجزائر خرجت تسريبات عن أن العاصمة الجزائرية تشهد حراكًا دبلوماسيًّا في الفترة الأخيرة، تقوده الخارجية الجزائرية؛ لإنتاج حوار بين دمشقوأنقرة حول ملف أكراد سوريا. وبحسب هذه المعلومات سعت الجزائر بطلب تركي إلى تقريب وجهات النظر بين حكومة أردوغان والحكومة السورية؛ للعمل على وقف إنشاء فيدرالية كردية في سوريا. وأكدت صحيفة "الوطن" الجزائرية نقلًا عن مصدر دبلوماسي جزائري أن "الجزائر تقود وساطة سرية بين سورياوتركيا بطلب من أنقرة"، مضيفة أنه "على الرغم من العلاقات المتأزمة جدًّا، إلا أن الأتراك لديهم رغبة لتبادل الرؤى مع السوريين حول رغبة أكراد سوريا في إنشاء إقليم فيدرالي مستقل". فعلى الرغم من أن الحكومة السورية تبني تحالفًا تكتيكيًّا مع أكراد سوريا، إلا أنها في مدى أبعد لا تتفق مع طموح الأخير في إنشاء إقليم مستقل لهم في سوريا؛ لأن ذلك يعرض وحدة الأرض السورية للخطر. وبدا واضحًا من التسريبات أن هناك مقابلًا ستقدمه أنقرة للجزائر، حيث يهمُّ الأخيرة أن تقدم انقرة مطالب لها في ليبيا، وعلى رأسها أن تعمل تركيا على حفظ مصالح الجزائر هناك، وذلك في ظل قلق الجزائر على مصالحها داخل جارتها ليبيا، التي بينهما حدود طويلة، تشهد نشاطًا لمجموعات إرهابية في حالة حرب دامية مع الجزائر.