يبدو أن المملكة العربية السعودية تسير في سياستها الخارجية بنهج "من ليس معنا فهو علينا". فبين الحين والآخر تصفي المملكة حساباتها السياسية مع الدول التي تجنبت التورط معها في صراعاتها الإقليمية، التي أثارتها في العديد من الدول خلال الفترة الأخيرة. ويبدو أيضًا أن الدور جاء على الجزائر، التي رفضت دعم المملكة في العديد من المواقف السياسية المتهورة، وهو ما دفع الرياض إلى ليّ ذراع الجزائر باستغلال أزمة الصحراء الغربية. قمة خليجية مغربية انطلقت أعمال قمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج، وملك المملكة المغربية مساء أمس في الرياض، حيث ترأس القمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، ورحب العاهل السعودي بالملك المغربي، محمد السادس، مؤكدًا حرص دول مجلس التعاون على العلاقة مع المغرب على أعلى مستوى في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وغيرها. حضرت قضية الصحراء المتنازع عليها بين المغرب والجزائر بقوة على طاولة المحادثات الخليجية المغربية، حيث جدد قادة الدول الخليجية موقفهم المبدئي من أن قضية الصحراء المغربية هي أيضًا قضية دول مجلس التعاون، مؤكدين موقفهم الداعم لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. وعلى وجه التحديد أبدت الرياض مرونة كبيرة مع الرباط، حيث وجه الملك سلمان كلمته إلى ملك المغرب قائلًا: إننا نقدر لبلادكم الشقيقة مواقفها المساندة لقضايا دولنا، ونستذكر باعتزاز مشاركتها في حرب تحرير الكويت، ومبادرتها بالمشاركة في عاصفة الحزم، والتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، كما أكد العاهل السعودي تضامن دول الخليج مع قضايا المغرب السياسية والأمنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية. من جانبه قال العاهل المغربي الملك، محمد السادس، إن أمن دول الخليج واستقرارها من أمن واستقرار المغرب، وأضاف: لا يفوتنا هنا أن نعبر لكم عن اعتزازنا وتقديرنا؛ لوقوفكم الدائم إلى جانب بلادنا في الدفاع عن وحدتها الترابية، فالصحراء المغربية كانت دائمًا قضية دول الخليج أيضًا، وهذا ليس غريبًا عنكم. وذكر العاهل المغربي أنه: في عام 1975 شاركت وفود من السعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان والإمارات في المسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية، والتي تميزت بحضور أخينا سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، الذي كان عمره آنذاك 14 سنة. وتابع محمد السادس: منذ ذلك الوقت لم تدخر دول الخليج أي جهد؛ من أجل نصرة قضيتنا العادلة، والدفاع عن سيادة المغرب على كامل أراضيه، وهو ما أكدتموه خلال الأزمة الأخيرة مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. ورقة ضغط الدعم الخليجي الواضح والصريح للمغرب في هذه القضية لا يرجع فقط إلى العلاقات السعودية المغربية التي تتميز بالمتانة والاستقرار، لكنها ترجع أيضًا إلى استخدام الرياض للرباط كورقة ضغط على الجزائر؛ لدعم مواقف المملكة، خاصة بعد أن تجنبت الجزائر الانخراط في التهورات السعودية الأخيرة، بداية من العدوان السعودي على اليمن، وصولًا إلى الأزمة السعودية الإيرانية، مرورًا بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، فيبدو أن السعودية تسعى إلى تصفية حسابها مع الجزائر باستخدام قضية الصحراء الغربية. تأتي هذه التصريحات بعد مواقف متلاحقة أبدت من خلالها الجزائر عدم الرغبة في التورط مع السعودية في أي نزاع إقليمي أو دولي، حيث يسود العلاقات بين البلدين توتر وفتور بعض الشيء، ظهرت ملامحة مؤخرًا، بعدما رفضت الجزائر المشاركة في عملية عاصفة الحزم، التي قادتها المملكة في الأراضي اليمنية في مارس 2015؛ لتكون بذلك أول بلد عربي يعلن صراحة رفضه للعملية العسكرية، وثاني دولة إسلامية بعد إيران، وحينها أكد وزير الشؤون الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، أن الجزائر لديها موقف سياسي، وجيشها يحارب داخل أراضيها فقط. رفض الجزائر مشاركة السعودية في حربها ضد اليمن تبعه رفض ثانٍ للمشاركة في التحالف الإسلامي الذي أعلنته المملكة في 15 ديسمبر الماضي، الأمر الذي شكّل صفعة على وجه المملكة، أظهرت التوتر بين الطرفين، وبررت الجزائر موقفها حينها بأنها لا تريد المغامرة بالانضمام إلى تحالف مزاجي لمحاربة ما يسمى الإرهاب، مؤكدة أنها عانت من الإرهاب العابر للحدود لأكثر من 20 سنة، وتطالب دومًا بتعريف موحد للإرهاب أولًا وقبل أي تحرك من أي جهة كانت. المبررات الجزائرية لم تقف عند الشؤون العسكرية فقط، بل امتدت إلى جفاء دبلوماسي كبير ظهر خلال زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، للجزائر، حيث رفض الرئيس الجزائري حينها استقباله، بالرغم من أن زيارة الجبير تبعتها زيارة أخرى من وزير خارجية سوريا، وليد المعلم، الذي كان بوتفليقة شخصيًّا في استقباله، الأمر الذي أثار أحاديث حول وجود أزمة دبلوماسية بين المملكة والجزائر منعت الرئيس بوتفليقية من استقبال الجبير. الأزمة السعودية الإيرانية كانت الفيصل بين الرياضوالجزائر، فلم تظهر الأخيرة أي تعاطف أو تأييد لموقف المملكة، التي سعت كثيرًا لكسب التأييد والحشد العربي والدولي، وانتزاع اعتراف من المنظمات وحكومات ورؤساء الدول العربية لاعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وهو ما فشلت في إقناع الجزائر به. على الرغم من إقرار العديد من الدول العربية ومجلسي وزراء الداخلية والخارجية العرب بأن حزب الله منظمة إرهابية يحظر التعاون معها، إلا أن الجزائر كانت بين الدول القلائل الرافضة لهذا التصنيف، وشاركتها في موقفها كل من العراق ولبنان، ففي قمة مجلس وزراء الخارجية العرب، التي عقدت منتصف مارس الماضي، تحفظت الجزائر على قرار المجلس بشأن إدراج حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، وكررت موقفها في القمة الإسلامية التي عقدت في إسطنبول منتصف إبريل الجاري.