العلاقات السورية المصرية تاريخية، ولا يمكن لأي شخص أن يدرك حجم هذه العلاقات التي تربط القاهرةودمشق أن يتقبل وجود قطيعة بين البلدين، أو علاقات تتم في تكتم بعيدًا عن الأضواء، نظرًا للارتباط الشعبي قبل الجغرافي والتاريخي بين درة الشام وقلب العروبة، ولعل هذا ما يفسر السخط الشعبي الذي ظهر في القاهرة عقب قرار الرئيس المعزول بقطع العلاقات مع دمشق. شهدت العقود الماضية عدة أحدث تؤكد قوة العلاقة بين دمشقوالقاهرة، لا سيما في المجال العسكري الذي جمع البلدين في معركة الانتصار والكرامة عام 1973، ومن قبلها تجربة الوحدة عام 1958، وعدد من الاتفاقيات الأخرى التي جمعت سوريا مع مصر والعراق عام 1963، أو جمعت بين البلدين مع ليبيا عام 1971 في اتفاقية اتحاد الجمهوريات العربية، فعلى الرغم من عدم استمرار هذه التجربة، إلَّا أن علاقات القاهرةودمشق ظلت قائمة ومعلنة حتى سنوات قريبة. مع اضطراب المشهد السياسي خلال ثورات الربيع العربي وما تبعه من تغييرات أدت لسقوط بعض الأنظمة العربية في تونس ومصر، لم يعد الحديث عن العلاقات بين القاهرةودمشق أمرًا يتم تداوله إعلاميًّا، بخلاف التطلعات الشعبية التي كانت ولا تزال تنادي بضرورة عودة علاقات البلدين لسابق عهدها، لا سيما وأن هناك عدة ملفات مشتركة تجمع القاهرةودمشق خلال الفترة الراهنة، أبرزها مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة التي توجد في سيناء وبعض المناطق السورية. أضف إلى ما سبق أن القيادتين السورية والمصرية تدركان حجم المؤامرة التي تحاك ضد منطقة الشرق الأوسط، والخطة الممنهجة التي يتم من خلالها استنزاف الدول العربية، وإنهاك جيوشها في حرب عصابات أشد بكثير من مواجهة جيوش نظامية معادية، الأمر الذي يحتم وجود تنسيق بين دمشقوالقاهرة، خاصة وأنه لا يمكن الانتصار على هذه الجماعات المسلحة وقطع اتصالاتها سوى بتعاون مصري سوري عراقي. ما زال صوت الإذاعة السورية عندما صدحت بكل قوتها أثناء العدوان الثلاثي على مصر وبعد قصف محطات الإرسال الإذاعي في أبي زعبل قائلة: "هنا القاهرة" عالقًا بأذهان الجميع، شاهدًا على مدى ترابط ومتانة العلاقات المصرية السورية، يبعث الأمل مجددًا في عودة العلاقات لما كانت عليه، ويطلق العنان كي نتساءل: هل سيأتي اليوم الذي تخرج فيه محطات الإذاعة المصرية قائلة "هنا دمشق"؟ فحدوث ذلك لا يشترط قصف محطات الإذاعة السورية، بل يكفي توضيح ما تتعرض له دمشق من مؤامرة تحتم الوقوف بجانبها. ما سبق يؤكد أن هناك حلقة ما زالت مفقودة في سلسلة العلاقات المصرية السورية الراهنة، لا سيما وأنه يجري الحديث حاليًا عن جهود مكثفة تبذلها القاهرة؛ من أجل التوصل لتسوية سياسية تنهي الأزمة السورية التي اندلعت قبل عدة سنوات، وفي الوقت ذاته لا تصدر دمشق أي تعقيب صريح حول هذه اللقاءات التي يتم عقدها في العاصمة المصرية، لكن بدون شك أن الموقف المصري يصب في صالح الدولة السورية، لا سيما وأن هذه المحاولات الجادة تتزامن مع انتصارات ميدانية يحققها الجيش السوري على أرض الواقع في عدة مناطق تسيطر عليها التنظيمات المسلحة. افتقاد أحد حلاقات السلسلة المتشابكة لا يعني ضياعها نهائيًّا، بقدر ما يحتم ضرورة العثور على تلك الحلقة وإعادتها إلى موضعها الصحيح، ولعل هذا ما ستحمله الفترة القليلة المقبلة، التي قد تكون مناسبة للقاهرة ودمشق لاتخاذ خطوات حاسمة فيما يخص علاقات البلدين، ويتم طي صفحة المواربة والتكتم، وتعود قنوات الاتصال مجددًا على مرأى ومسمع من الجميع دون خجل أو تردد.