لا أعتقد أنها خطوة صائبة أن تسحب مصر سفيرها من دمشق, إحتجاجا علي إستمرار النظام السوري في قتل شعبه كما فعلت دول الخليج, لأن دمشق رغم بشاعة الجرم الذي يرتكبه الرئيس بشار حليف إستراتيجي أساسي للقاهرة لا ينبغي التفريط فيه. خاضا معا حرب أكتوبر المجيدة التي زلزلت كيان إسرائيل وكسرت نظرية الأمن الإسرائيلي, ولأن أمن مصر يرتبط علي نحو حاسم بالأمن السوري إلي حد يمكن أن نقول معه, إن الدفاع عن القاهرة يبدأ من الدفاع عن سهول الغوطة التي تحيط دمشق, ولأن أية مواجهة محتملة مع إسرائيل تتطلب الحفاظ علي هذا الحلف المقدس الذي ينبغي أن يظل هدفا إستراتيجيا ثابتا غير قابل للتعديل, مهما تكن حجم المشاكل المثارة بين الدولتين!, وفي هذا الإطار المتفرد ينبغي أن تكون لمصر رؤيتها الخاصة لدمشق بصرف النظر عن رؤي عربية أخري يحضرها دوافع مختلفة, فضلا عن أن من حسن الفطنة الإبقاء علي الباب مواربا مع دمشق مهما يكن غضبنا من نظام الرئيس بشار المدان من قمة الهرم إلي إخمص القدم لوحشيته في مقاومة إنتفاضة الشعب السوري. وأظن أنه كان يكفي إنضمام مصر لسلسلة العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية علي نظام الأسد, أما أن تصبح سياسات مصر تجاه سوريا جزءا من سياسات الخليج فأمر يستحق إعادة النظر, لأن مصر شيء ودول الخليج شيء آخر مع إدراكي الكامل لخطورة الدور الذي تلعبه ثروة الخليج في أحداث الشرق الأوسط, لكن المصريين تطلعوا خلال أزمتهم الراهنة إلي بعض دول الخليج لعلهم يجدون بعض العون, لكنهم مع الأسف لم يجدوا سوي الصدود والتنكر لوعود سابقة. أعرف حجم تعاطف كل مصري مع الشعب السوري, وأعرف أن غالبية المصريين يتمنون لو أن نظام الرئيس الأسد سقط اليوم قبل الغد, وأعرف أن هذا السقوط أمر مستحق ردا علي المجازر التي إرتكبها النظام في حمص وحماة ودرعا وادلب والزبداني وريف دمشق, لكننا نتكلم عن علاقة إستراتيجية مع حليف أساسي ينبغي الحفاظ عليه مهما تغيرت النظم, ونتكلم عن فروق أساسية بين سياسات مصر وسياسات دول عربية أخري ينبغي الحفاظ عليها حرصا علي مصالح مصر العليا وسواء كان نظام الرئيس بشار لا يزال قادرا علي الصمود لعدة أشهر قادمة, وأن جيشه لا يزال متماسكا رغم الإنشقاقات التي حدثت داخله, أو أن النظام في سوريا يمكن أن يسقط في غضون أسابيع محدودة لأن العقوبات الإقتصادية زادت الوضع سوءا في سوريا, فإن بقاء السفير المصري في دمشق يظل رمزا لعلاقات إستراتيجية مهمة ينبغي الحفاظ عليها حتي لو غادر كل السفراء العرب دمشق. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد