انتظر الكثيرون بشغف، خاصة التيار العلمانى، تعديل لائحة انتخاب البطريرك، التى عكف على إعادة قراءتها مجموعة من المتخصصين فى القانون وأعضاء المجمع المقدس ما يقرب من 15 شهرا. وعقد المجمع المقدس برئاسة البابا تواضروس الثانى، جلسة استثنائية يوم الخميس الماضى الموافق 20 فبراير، تم خلالها التصويت علي كل بنود اللائحة، وإقرارها من المجمع المقدس، الذى أكد أحد عضائه أن الكنيسة حرصت فى تعديلاتها على مواكبة روح العصر والتطور. ويعد أهم ما تم تعديله وكان محل خلاف منذ عصر البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، بند:"ترشح أسقف الإبراشية"، حيث أقرت اللائحة الجديدة، أن البابا يُختار بين الرهبان أو الأساقفة العموميين، مع الاحتفاظ بحالات استثنائية جدًّا يسمح فيها "لأسقف الإبارشية"، ولكن القانون الأساسي أن يكون أسقف عاما أو راهبا، ويحدد تلك الاستثناءات أعضاء المجمع المقدس طبقًا لقوانين كنسية. كما أقرت باستمرار العمل ب"القرعة الهيكلية" فى اختيار البطريرك، مشيرة إلى أن العمل بها له شكل انجيلي وسند كتابي مثل اختيار متياس الرسول، كما أنها أعطت هدوءًا واستقرارًا وسلامًا في عملية انتخاب البطريرك على مدى العمل بها. وما اعتبرته الكنيسة انتصاراً للتطور والتغيير، ونتيجة إيجابية للعمل المتواصل من أجل تعديل لائحة 57 لانتخاب البطريرك، اعتبره التيار العلمانى لا يعدو كونه بادرة تحتاج إلى المزيد من الجهد والعمل، ويحتاج لإعادة نظر الكنيسة فى مدى التزامها بقوانينها، وفحص تلك القوانين بشجاعة ووضوح أمام الشعب المسيحى. من جانبه، انتقد سليمان شفيق، الباحث بالشأن السياسي والقبطى، استمرار اختيار البطريرك بالقرعة الهيكلية، واعتبرها مخالفة للتقليد الكنسي، موضحاً أن 9 بطاركة فقط جاءوا بالقرعة الهيكلية من بين 118 بطريركا على مدار تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية، لافتاً إلى أن الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى، كتب عنها أنها مخالفة للتعاليم المسيحية، بدليل رسامة 109 بطريركا بالانتخاب. وأضاف "شفيق" ل"البديل" أن هذه القرعة تم العمل بها بشكل استثنائى لا يمكن القياس عليه، والملفت للنظر حين جاء الرئيس جمال عبد الناصر بالتعيين عام 1957، رأى أنه من غير المنطقى أن يأتى رئيس الجمهورية بالاستفتاء بينما يُنتخب بطريرك الكنيسة، لذلك تم إلغاء انتخابات البطريرك، وبالمثل أصبح شيخ الأزهر يتم تعينه من قبل الدولة. وتابع: اللائحة القديمة التى انتهى العمل بها عام 1927، كانت تستند على قاعدة "من حق الشعب فى انتخاب راعيه"، أما لائحة 57 جعلت الشعب القبطى مجرد ديكور للإكليروس، حيث إن ممثلين عن الشعب القبطى يختاروا فى الخطوة الأولى، فتأتى القرعة لتحسم الأمر فى الخطوة الثانية فتكون الانتخابات صورية – بحسب قوله. وأشار "سليمان" إلى أمرين يحسمان هذه الأزمة، الأول أن يشارك جميع الخدام بالكنيسة فى الانتخابات البابوية، وتلغى القرعة الهيكلية، والثانى أن يتم إلغاء الانتخابات بالكامل، ويختار الإكليروس "رجال الدين" البطريرك من بينهم، مثلما يحدث مع بابا روما، حيث يتم اختياره من قبل مجمع الكرادلة، ولا يشارك الشعب فى الاختيار. وانتقد "سليمان" أيضاً ما أسماه بتفصيل اللائحة من أجل 100 راهب، قائلاً: "لأن عدد الرهبان لا يتجاوز 1200 ، وبحسب شروط اللائحة فأن من يتقدم لا يقل عمره عن 40 سنة، ويكون قد أمضى 15 سنة فى الرهبنة، ومن تنطبق عليهم تلك الشروط لا يتعدى 100 راهب فقط" . واختتم: "لا يمكن أن نُرقع ثوب قديم بقطعة قماش جديدة، لأنه سيعطى فى النهاية شكلاً مشوهاً، وهو الأمر الذى نراه فى اللائحة الجديدة". على جانب اّخر، قال كمال زاخر، منسق عام التيار العلمانى، إن اللائحة الجديدة جاءت أكثر تدقيقا فى وضع شروط المرشح، وجاءت تلك الشروط متسقة مع التطور، لأن البطريرك لم يعد مجرد رئيس للأساقفة، ولكنه مطالب بالإجابة على أسئلة كثيرة، فى إطار روحى واجتماعى، مضيفا أن اللائحة أفضل فى الشروط التى وضعتها للناخبين، حيث حددت مناصب معينة فى كل وظيفة، بحيث يصعب التأثير على أصحابها، ويكون لديهم القدرة على التدقيق فى الاختيار، كما اشترطت أن يكون عدد العلمانيين مساوى لعدد الكهنة ما يجعل الكنيسة القبطية ربما هى الوحيدة فى العالم التى تجعل العلمانيون مشاركون فى عملية الاختيار، بعكس مجمع الكرادلة فى الكنيسة الكاثوليكية، معتبراً هذا الأمر ميزة مهمة لابد من الحفاظ عليها. وفند "زاخر" المساوئ قائلاً: الإبقاء على القرعة الهيكلية على رأس قائمة المساوئ باللائحة، بالرغم من مغازلتها للمشاعر العامة لدى المسيحيين، ومخاطبتها للشعور الغيبى عندهم إلا أنها تهدر قيمة الانتخاب فى مراحله الأولى، مضيفا: إذا كان المراد معرفة رأى الله فكان بالأولى إلقاء القرعة على جميع المرشحين وليس على ثلاثة فقط. وشدد على أن الحديث عن إرادة الله أمر يحتاج إلى ضبط، مضيفاً أن الاستناد لواقعة اختيار متياس الرسول بالقرعة كانت قبل تأسيس الكنيسة، كما أنها حدث غير متكرر ولا يمكن الاستناد إلى استثناء من قاعدة. وأوضح "زاخر" أيضاً أن أهم المسالب تأتى فى ترك الباب موارباً فى ترشح "أساقفة الإبراشيات"، بعبارة: "لا يترشحوا إلا فى حالة الضرورة"، وشرح: العبارة تفتح الباب للخلافات مرة أخرى، ومن يعمل فى المجال القانونى يعرف ضرورة ضبط المصطلحات، لأن ما هو ضرورى بالنسبة لى غير ضرورى بالنسبة لاّخر. وأضاف: كان يجب الالتزام بالقانون الكنسي، الذى يرفض وضع اليد على الأسقف مرتين للرسامة على نفس الشخص، معتبراً أن هذه المادة التفاف على الطقس الكنسي. وفى السياق ذاته، قال مدحت بشاى، الكاتب فى الشأن القبطى، إن اللائحة بها العديد من التحفظات وفى حاجة إلى حوار الكنيسة مع التيار العلمانى، مشيراً إلى أن القرعة الهيكيلية واختيار أسقف لكرسي البابوى، يعدان أخطر الأمور التى تحتاج لمزيد من المناقشة والتوضيح.