شهدت تونس أمس مظاهرات للجماعات السلفية التونسية طالبوا فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية وأن يكون الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، ورفعوا فيها رايات الخلافة السوداء، فيها شعارات مثل “الشعب يريد الخلافة” و”لماذا الخوف من الإسلام...القرآن يعني الأمان.” وذلك رداً على تصريحات حركة النهضة الإسلامية الحائزة على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، بأن”الإسلام لن يكون المصدر الرئيسي للدستور”. اللافت للنظر أن الحشود السلفية الغاضبة قد رددت هتافات ضد التونسيين اليهود ودعوا في مظاهرتهم إلى “التدرب لقتال اليهود”، فيما أعتبره ناشطين وهيئات سياسية، أن مثل هذه الدعوات تضرب الأساس المدني الذي تقوم عليه تونس، وأرجعوه لتوغل الفكر السلفي في تونس، والجهادي منه تحديدا، والذي صرح اليوم القيادي السلفي الجهادي، سيف الله بن حسين الملقب بأبو عياض، أنه يحمل فكر تنظيم القاعدة، وأنه يرى تنظيم القاعدة والذين يتبنون فكره “أهل حق يجب مناصرتهم في العالم”.! وقد شهدت تونس منذ العام الماضي زيارات لأشخاص مثل عائض القرني ووجدي غنيم والذين تحفظ الكثير من النشطاء التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي على قدومهم إلى تونس في مثل هذا التوقيت، معتبرين أنهم أصحاب فكر متشدد، وخصوصاً وسط الحفاوة التي استقبلوا بها من جانب الجماعات السلفية. هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها عقب خلع الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، حيث قام سلفيون بتظاهرة أمام أحد المعابد اليهودية في مدينة جريبا في يناير 2011 عقب خلع بن علي رددوا فيها شعارات معادية التونسيين اليهود، وهي المدينة التي يتركز بها السواد الأعظم من اليهود التونسيين والبالغ عددهم حوالي ألفين شخص. “لا نعبأ بهذه التهديدات ولا تخيفنا وهي صادرة عن شيطان يريد الإساءة لهذا البلد الذي نحبه جميعا، بلدنا تونس”، هكذا علق روجي بوسميت رئيس الطائفة اليهودية، على هذه المظاهرات، مضيفاً “هؤلاء أشخاص دخلاء على تونس يفسدون أفكار شبابها ويملئونهم حقدا وكراهية”. ليست هذه المرة الأولى التي يحاول فيها السلفيون في تونس أن يشككوا في وطنية التونسيين اليهود، فالتيار الإسلامي المتشدد في تونس حاول بعد الثورة التونسية إلصاق تهمة التبعية لنظام بن علي بالتونسيين اليهود، وذلك بمحاولة تعميم أن اليهود حظوا بنفوذ وامتيازات منذ عهد بورقيبة ثم تضخمت قوتهم في عهد بن علي، لا لسبب إلا أنهم يهود.! ومن جانب آخر، بدأت دعوات إسرائيلية تطالب بهجرة التونسيين اليهود إلى فلسطينالمحتلة، وتزايدت منذ 2002 في أعقاب هجوم إرهابي استهدف معبد يهودي في مدينة جريبا راح ضحيته عشرات الأشخاص بين قتيل ومصاب، و بعد الثورة التونسية أيضاً وبداية صعود التيار الإسلامي، وخاصة حركة النهضة، بدأ الجانب الإسرائيلي بتوجيه دعوات مشابهة للتونسيين اليهود بالهجرة إلى فلسطينالمحتلة. إلا أن هذه الدعوات قوبلت برفض شديد من جانب الطائفة اليهودية، واعتبر بوسميت أنمثل هذه الدعوات لن تتلقى أي استجابة من التونسيين اليهود، وعقب على ذلك بقوله” نحن تونسيون أبا عن جد، مضى على وجودنا في هذا البلد أكثر من 3 ألاف سنة، أي إننا نسكن هذه الأرض قبل مجيء الإسلام إليها فكيف نغادر بلدنا؟ ...لا نشعر بأي فرق بيننا وبين باقي التونسيين ولن نسمح لأحد بالنيل منا لأن ديانتنا مختلفة”. وقد أبدى بوسميت في أكثر من مناسبة دهشته واستيائه للسؤال الذي يطرح عليه باستمرار بشأن احتمالية أن يقوم التونسيين اليهود بالهجرة إلى فلسطينالمحتلة، وعلق على هذا بقوله: “متى يدرك الناس أن هذا البلد بلدنا أيضا... لن نترك ثورة شاركنا فيها لهؤلاء الدخلاء”. أما عن موقف حزب النهضة، فقد صرح الحزب في بيان له وقتها أن “أبناء الطائفة اليهودية في تونس يعتبرون مواطنين كاملي الحقوق والواجبات وان تونس اليوم وغدا دولة ديمقراطية تحترم وترعى أبناءها مهما كانت دياناتهم”. وقد كان حزب النهضة قد أرسل في أكتوبر من العام الماضي وفداً على رأسه زعيم الحزب التاريخي راشد الغنوشي لطمأنة إلى جريبا التقى روجي بوسميت الذي صرح بعدها” الجالية اليهودية في تونس التي تبقى جزءا لا يتجزأ من الشعب التونسي بعيدا عن أي تمييز عرقي أو ديني”. وقد صرح المنصف المرزوقي في وقت سابق معلقاً على الدعوات الإسرائيلية أن إسرائيل دولة عنصرية، وأن فاقد الشيء لا يعطيه، داعيا اليهود الذين هاجروا من تونس إلى إسرائيل بالعودة مرة أخرى إلى بلدهم. يذكر أيضا أن هذه الدعوات تكررت وبشدة من جانب نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق سيلفان شالوم، والذي ينحدر من أصول تونسية، والذي سبق له زيارة تونس في 2005 في عهد بن علي، مصطحباً والدته التونسية الأصل، وقد قوبل حينها بجفاء وتجاهل وخصوصاً من أبناء الطائفة اليهودية. إثارة الطائفية والمذهبية أمر جديد على تونس، والتي شهدت منذ عهد بورقيبة اختفاء مثل هذه الممارسات والتي يوصفها البعض أنها دخيلة على تونس، وأن السلفيين في تونس يسلكون منهجاً متطرفاً لا يقف عند حد الطائفية بل رفض النموذج الحداثي التونسي ككل، فممارسات مثل إنزال العلم التونسي وتعليق علم الخلافة الأسود من على جامعة تونسية، والتحرش بالمراكز الثقافية والفنية التونسية بمظاهرات تنظم أمامها، ورشق أعضائها بالبيض، أخرها دخول السلفيين العروض المسرحية وترديدهم هتافات دينية ولكن على الجانب الأخر يوجد شبه تجاهل من الجهات التنفيذية القانونية التونسية لمنع مثل هذه الأمور، فقد طالب بوسميت الجهات الرسمية ببذل مجهود أكبر لمنع مثل هذه الممارسات من التكرار، مشيراً أن مسيرة أمس لم يسعى فيها رجال الأمن لوقف الممارسات الطائفية تجاه جزء من المواطنين التونسيين، مصرحاً اليوم بأنه ينوي رفع دعوى على الجهات والأشخاص الذين رفعوا مثل هذه الشعارات وهددوا الطائفة اليهودية بالقتال، مضيفا أنه لا يستبعد تكرير مثل هذه الممارسات وخاص في غياب رادع لمن يقوم بها.