منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرئاسة، أصبح المشهد فوضوي، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط الشرارة التي تبدأ منها النيران، ويمكنها أن تغمر العالم. يوجد العديد من الشرارات في المنطقة وتشعلها الأجندة السياسية الخارجية لترامب، حيث مجموعة من التناقضات التي تهدد بالوصول إلى نقطة الغليان، فقد تحالف بشكل وثيق مع السعودية والمعروفة بجنون العظمة، التي تعتقد أيضا أن إيران تشكل تهديدا كبيرا لها. لم يكن ترامب معجبا أبدا بإيران، وتسبب عداؤه لطهران إلى إسقاطه طائرتين إيرانيتي الصنع وطائرة نفاثة سورية خلال اثنى عشر يوميا في سوريا، ما دفع روسيا إلى وقف الخط الساخن بين مركزها التشغيلي في قاعدة حمميم الجوية في سوريا وبين قاعدة العديدة الأمريكية في قطر. يستهدف ترامب حلفاء روسيا في سوريا، وفي نفس الوقت يرغب في إقامة علاقات ودية مع موسكو التي تتمتع بعلاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة مع إيران منذ عام 1992. الخطر الأكبر الذي يمارسه ترامب، يكمن في دعمه القوي للسعوديين في تهديداتهم الأخيرة ضد جارتهم قطر، كل هذه المخاطر واضحة، لكن الرئيس الأمريكي النرجسي لا يراها. لا ينبغي لأحد أن يفاجأ بإقحام ترامب نفسه في الأزمات العاصفة بالشرق الأوسط، فبعد كل شيء لديه قدرة استثنائية لخلق واقعه الخاص، ويبدو أنه بعد إخفاقاته يسرع طاقته ليضع نفسه في دائرة الضوء الإيجابي. يبدو أن ترامب يستسهل هذا النهج، لأنه رجل التكتيكات سيئة السمعة، وغير قادر على خلق استراتيجية شاملة من النوع الذي يتطلب التركيز والقوة والقدرة على وضع عوامل متنوعة في الاعتبار في وقت واحد. وبالنظر إلى ذلك، لا توجد لديه أي مشكلة ليناقض نفسه أو يقوض مساعديه الذين يعملون على إيجاد أسس أكثر عقلانية لموافقة رغباته المتغيرة باستمرار، وما يزيد من تعقيد هذه المشاكل، عدم قدرته على الربط بين النقاط في الشرق الأوسط الشديد التعقيد والمتقلب حيث الحروب في سوريا واليمن والعراق، أو تقييم كيفية تأثير الجبهة الدبلوماسية أو العسكرية على مجموعة العلاقات المترابطة في المنطقة. العامل الإيراني يضغط البيت الأبيض على دول الخليج لاستخدام أموالهم وقواتهم بطريقة منسقة لمحاربة تنظيم داعش تحت قيادة البنتاجون، وينظمون أيضا لكسر التحالف العسكري الدبلوماسي لموسكو مع طهران، في محاولة لإنهاء الصراع السوري وتعزيز المعركة ضد داعش. يعكس هذا جهلا مرهونا بالقوة المتزايدة للعلاقات بين روسياوإيران، اللتان تتقاسمان حدود بحر قزوين، وتعود العلاقة بينهما إلى أغسطس 1992، حين وقع الرئيس الروسي، بوريس يلتسن، عقدا لبناء وتشغيل مفاعلين نوويين بالقرب من مدينة بوشهر الإيرانية، مع وجود خيار لبناء ستة مواقع أخرى في وقت لاحق. التعاون العسكري بين الكرملين وطهران يعود إلى عام 2007؛ إذ وقعت إيران عقدا بقيمة 900 مليون دولار لشراء خمس بطاريات صواريخ بعيدة المدى من طراز "أس 300″، وبسبب العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران بسبب برنامجها النووي، تم تعليق تسليم هذه الصواريخ. وقعت إيران اتفاقها النووي التاريخي مع ست قوى عالمية، بما فيها روسياوالولاياتالمتحدة، وفي يوليو 2015، بدأت موسكو في شحن النسخة المطورة من الصواريخ إلى إيران. تدخلت روسيا بشكل رسمي في سوريا في سبتمبر 2015، في الوقت التي كانت تساند فيه إيران الحكومة السورية، ما دفع كل من موسكووطهران إلى بدء تقاسم التخطيط العسكري في سوريا. بعد شهرين، وصل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى طهران لحضور قمة منتدى الدول المصدرة للغاز، والتقى مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، الذي أكد أن دور بوتين "يحيد مؤامرات واشنطن". في أغسطس 2016، سمحت طهران للكرملين باستخدام قاعدة همدان الجوية في غرب إيران لشن غارات جوية على مجموعة واسعة من الأهداف في سوريا، ما مكن القوات الجوية الروسية من تقليل وقت الطيران وزيادة حمولاتها على قاذفاتها وطائراتها المقاتلة. حاول ترامب استفزاز طهران، وتعهد بمحاربتها، وكذلك الإسلام الراديكالي، لكن في 7 يونيو الماضي، هاجم داعش البرلمان الإيراني وضريح الإمام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن إيران ردت عليهم بإطلاق ستة صواريخ باليستية على مواقع للتنظيم الإرهابي، بالتنسيق مع روسيا. داعش تستهدف الأقليات بعد سيطرة داعش على مدينة الموصل العراقية في يونيو 2014، ألقى التنظيم القبض على الأكراد، وقتلهم وبعدها قامت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بمساعدة الحكومة العراقية على محاربة التنظيم الإرهابي. وحين يتعلق الأمر باختيار أهداف سعودية، يختار داعش مساجد الأقليات، ليقع أول تفجير انتحاري في مايو 2015 في المنطقة الشرقية خلال صلاة الجمعة، وأسفر عن مقتل 21 شخصا وإصابة أكثر من 80 آخرين. تعيش الأقليات في المنطقة الشرقية بالسعودية في حالة من القلق، نتيجة التحريض عليهم من قبل الوهابية، وهو المذهب الذي تتبعه السعودية. تتفق أيديولوجيا داعش مع الوهابية، حيث يرون من يخالف تعاليم الوهابية الأصولية، مرتد أو زنديق ويستحق القتل. يستهدف ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، الأقليات أيضا ويرى أن إيران تشكل تهديدا كبيرا على بلاده، حيث تعهد مؤخرا بنقل المعركة إلى داخل إيران، أثناء مقابلة على تليفزيون العربية السعودي. السعوديون يستهدفون قطر ما يزيد الأمور الإقليمية تعقيدا، استهداف الدولة الصغيرة قطر من قبل السعودية، وتجدر الإشارة إلى أنه خلال زيارته للرياض، التقى ترامب مع تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، وقبل الاجتماع، تفاخر الأول، قائلا: "واحدة من الأشياء التي سنناقشها، شراء قطر الكثير من المعدات العسكرية، لأن لا أحد يصنعها مثل الولاياتالمتحدة"، وأضاف: "بالنسبة لنا، هذا يعني المزيد من الوظائف، وأيضا يعني بصراحة أمن أكبر هنا، وهذا ما نريده". وبعد بضعة أسابيع، قطع السعوديون فجأة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، لينضم لها الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر. وبعد وقت قصير من اتهام السعودية قطر بأنها "ممولة للإرهاب على مستوى عال جدا"، دعم ترامب السعوديين إلى أقصى درجة، لتسقط إدارة ترامب في حالة من الفوضى حول السياسة مع قطر، رغم أن هناك شيء واحد فقط التزمت به الإدارة، هو بيع المعدات العسكرية للدوحة. بدأ التعاون العسكري بين الدوحةوواشنطن في أوائل عام 1992 في أعقاب حرب الخليج الأولى، وبعد عقد من الزمان، تطورت العلاقات العسكرية القطريةالأمريكية بشكل دراماتيكي، عندما بدأت إدارة بوش الاستعدادات لغزو العراق، بعدما رفض ولي العهد السعودي، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، السماح للبنتاجون باستخدام منشآت سعودية في قاعدة الخرج الجوية التي شيدها من أجل شن ضربات جوية على العراق. جاء أمير قطر لينقذ واشنطن، وسمح للبنتاجون بنقل جميع معداته من الخرج إلى قاعدة العديد الجوية، على بعد 25 ميلا جنوب غرب الدوحة، العاصمة القطرية، وأصبحت المحطة الرئيسية للجيش الأمريكي في المنطقة، ومع الأزمة الأخيرة، يوجد ما لا يقل عن 10 آلاف جندي أمريكي و100 من أفراد القوات الجوية الملكية البريطانية، و100 طائرة حربية وطائرات بدون طيار في القاعدة القطرية، وتطلق من هذه القاعدة الغارات الجوية على أهداف داعش في أفغانستان وسورياوالعراق. وفي خطوة مخالفة لسياسة ترامب، حاول وزير الدفاع الأمريكي تهدئة السعودية تجاه الدوحة وتأدية دور الوساطة، وكذلك وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، وأكدا أن ما تفعله الرياض قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها. قدمت الرياضلقطر لائحة تتضمن 13 شرطا لعودة العلاقات معها، ومن بينها مطالب طائفية تتعلق بإيران وليس قطر، رغم الجهود التي تبذلها طهران لتوحيد المسلمين، على سبيل المثال، تحتفل إيران بأسبوع الوحدة الإسلامية، كما أن سجل طهران في الوحدة بين المسلمين يتحدث عن نفسه، فقد دعمت حركة حماس في قطاع غزة. طلبت السعودية من قطر قطع العلاقات التجارية مع إيران، لكن رفضت الدوحة لأنها تشترك مع طهران في أكبر حقول الغاز عالميا، فبعد 12 عاما من تصدير الدوحة للغاز بكثافة، بلغ قيمة ثروتها السيادية 335 مليار دولار، تستثمر ثلثها في البلاد، لكن الجزء الأكبر تستثمره عالميا، حيث تمتلك الدوحة شركة إنتاج الأفلام ميراماكس ومقرها سانتا مونيكا، وهي رابع أكبر مستثمر في مساحة المكاتب الأمريكية، لا سيما في نيويورك ولوس أنجلوس، كما أنها تمتلك أطول مبنى في لندن، ومخازن هارودس الشهيرة، وربع العقارات في حي مايفير الراقي في لندن، واشترت جزءا من نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، الذي فاز بأربعة ألقاب دوري كرة القدم الفرنسية، وهي أكبر مساهم في شركة سيارات فولكس فاجن الألمانية. ولا عجب في أنه لم يقف أي زعيم غربي بجانب ترامب مع الرياض في الحصار القطري، ما يعد نكسة دبلوماسية لهما. ومن الجدير بالذكر، أن الرياض أخفقت في إقناع حتى المملكات الصغيرة المجاورة مثل الكويت وسلطنة عمان، العضوين في مجلس التعاون الخليجي، بمقاطعة قطر، وبصرف النظر عن تغريدات ترامب، فإن الرياض تواجه مشكلة في زيادة ضغوطها على الدوحة بسبب الوجود العسكري الأمريكي الضخم في ذلك البلد، وهو عنصر حاسم في حملة البنتاجون على داعش. تركيبة الكوارث اندفع الحلفاء الأربعة في قرارهم بمقاطعة قطر، حيث لم يقيموا جيدا نقاط قوة البلد الصغير، بما في ذلك القوة الناعمة التي تمارسها قناة الجزيرة الفضائية. دولة قطر الساحلية، لديها ميناء كبير على الخليج العربي، وبعد أسبوع من مقاطعة قطر التي تقودها الرياض، غادرت ثلاث سفن تحمل 350 طنا من الفواكه والخضروات من ميناء داير الإيراني للدوحة، بينما هبطت خمس طائرات شحن من إيران محملة ب450 طنا من الخضراوات في العاصمة القطرية. حتى الآن، لم يتحقق شيء من توقعات السعوديين أو ترامب، حيث تقاوم قطر وتساندها تركيا، بعدما رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رفضا قاطعا سحب قواته من الدوحة. كل ما سبق، يوضح الصورة الشاملة للمنطقة، ويؤكد أن ترامب وبن سلمان لا يبصران عواقب المدى المتوسط لقراراتهما العدوانية. النظام السعودي هو نظام حكم استبدادي بدون حرية تعبير أو انتخابات أو حكومة تمثيلية وله سجل بغيض في انتهاكات حقوق الإنسان، وبالتالي يفتقر إلى الضوابط والتوازنات. الهوس المشترك بين ترامب وبن سلمان بشأن إيران، هما أنفسهما لا يتمكنان من فهم تعقيداته والتي هي قادرة على خلق أزمة عالمية حقيقية. المقال الأصلى : اضغط هنا