يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، استطاع اللعب بورقة دعم السعودية وقطر للإرهاب في سوريا والعراق غيرهما، لتمرير صفقاته الاقتصادية وفرض شروطه السياسية على منطقة الخليج، التي تستعد لتولي جيل جديد من الشباب مقاليد الحكم فيها، وهو الأمر الذي يجب أن يكون مضبوطًا وفقًا للأجندة الأمريكية في المنطقة. في السابق، كانت تكهنات تدور حول الدور المشبوه للدوحة والرياض في دعم التنظيمات الإرهابية، ومن أبرزها داعش والنصرة والقاعدة، لكن اليوم، التكهنات تحولت إلى واقع؛ بالأمس دخل ترامب مباشرة على خط النزاع الخليجي إلى جانب السعودية والإمارات، حيث رفع الغطاء السياسي عن قطر تمهيدًا لتموضعها بشروط الرياض، وأكد أن عزلها يؤدي إلى نهاية الإرهاب، وأعلن أن زيارته للمنطقة بدأت تؤتي ثمارها. في الوقت الراهن، تتعامل واشنطن بسياسة "شعرة معاوية" مع قطر؛ فترامب يشد حبل الخناق على قطر، بينما ترخي الخارجية والبنتاجون الحبل عبر تصريحات تعطي إيحاء بمحاباة قطر وقاعدة العديد الأمريكية فيها، ففي وقت سابق، أعلن ترامب تأييده السعودية في الموقف الذي اتخذته فيما يتعلق بالأزمة المتصاعدة بين الرياضوالدوحة، مشيدًا بما سماه تحرك المملكة لعزل جارتها عن تمويلها للمتطرفين، وبعدة تغريدات، بدا الرئيس الأمريكي مؤيدًا لخطوة دول عربية قطع علاقاتها مع قطر، حيث كتب "عندما يتحدث الناس عن الإرهاب تذهب كل الإشارات إلى قطر، وحتمًا تكون هذه بداية النهاية للرعب الذي يبثه الإرهاب". غير أن الخارجية الأمريكية تحدثت بلهجة أخف، جاءت على لسان هيثر ناورت، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، التي قالت "ندرك قيام قطر ببذل جهود جيدة لوقف تمويل جماعات إرهابية، بما في ذلك محاكمة شخصيات تمويل الإرهاب بالمال، وتجميد أصول وتشديد الرقابة على نظامهم البنكي"، وأضافت أيضًا "أن قطر قد حققت تقدما، ولكن مزيدًا من العمل ينبغي إنجازه"، ونفت الخارجية الأمريكية احتمالات تأثير قطع العلاقات مع قطر على جهود مكافحة الإرهاب، كما لم يصدر عن الولاياتالمتحدة أي موقف جديد تجاه مصير قاعدة العديد العسكرية، أحد أهم القواعد العسكرية الأمريكية التي تستضيفها دولة قطر. الاتهامات الأمريكيةلقطر بدعم الإرهاب، لم تسكت عنها الخارجية القطرية، بل ذهبت لغمس الرياض معها في وحل الإرهاب، حيث دفعت الدوحة تهمة دعم الإرهاب باتجاه الرياض، فوزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كشف أن ترامب خلال اجتماع مع أمير قطر اتهم عدة دول بدعم الإرهاب من بينها السعودية. كلام الوزير القطري حول دعم السعودية للإرهاب يتسق مع الإجراءات الأمريكية تجاه الرياض؛فواشنطن أصدرت قانون جاستا الذي يتيح محاكمة قادة سعوديين في محاكم أمريكية محلية حال ثبوت تورطهم في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، كما أن ترامب عندما كان مرشحًا رئيسيًا اتهم أوباما وكلينتون والسعودية بدعم الإرهاب. ويرى مراقبون أن الصفقات الاقتصادية التي أبرمتها الرياض مع واشنطن في قمة الرياض الشهر الماضي، التي قاربت سقف 500 مليار دولار، كانت من أحد العوامل التي دفعت أمريكا لغض الطرف عن ممارسات السعودية الداعمة للتنظيمات الإرهابية، فعادة ما يقترن اسم الرياض بدعم داعش ذات التوجهات الوهابية والتكفيرية، في المقابل يقترن اسم قطر بدعم جبهة النصرة، التي تحول اسمها مؤخرًا إلى فتح الشام. التلاعب الأمريكي بورقة الدعم الخليجي للإرهاب، سيمكنها من التحكم بسياق السياسية الداخلية والخارجية لدول الخليج وخاصة قطر، فواشنطن تستغل الشقاق الخليجي لرسم علاقاته الخليجية مع موسكو على وجه الخصوص، حيث تفيد تقارير أمريكية بأن المسؤولين في سي أي إيه يعتقدون بأن قراصنة من روسيا هم الذين اخترقوا وسائل الإعلام القطرية الرسمية ونشروا القصة التي أدت إلى تأزم العلاقات بين قطر وعدد من الدول العربية، وهو الأمر الذي يضر بالعلاقات الخليجية مع روسيا بعد التقارب الأخير الذي شهدته هذه العلاقات، خاصة التعاون فيما يتعلق بحلحلة أزمة انخفاض أسعار النفط. فشل الوساطة الكويتية يبدو أن الشروط الأمريكية السعودية في طريقها لتفرض على القطر، خاصة مع بروز ملامح لفشل الوساطة الكويتية، فحتى الآن هناك تكتم شديد على زيارة أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، إلى السعودية والتي استمرت لست ساعات، حيث تباحث مع الملك السعودي تطورات الأزمة مع قطر، لكن انضمام دول مرتبطة بالمحور الأمريكية مؤخرًا لمقاطعة قطر كالأردن يشي بأن الأزمة لن تحل إلا إذا تنازلت الدوحة لشروط الرياض العشرة؛ وفي مقدمتها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران فوراً، وطرد جميع أعضاء حركة حماس وأعضاء الإخوان وتجميد حساباتهم البنكية وحظر التعامل معهم وإغلاق شبكة تليفزيون الجزيرة بالكامل قبل إجراء أية وساطة، بالإضافة إلى ذلك، سيتعيّن على الدوحة إيقاف دعم شبكات إعلامية عدة مثل "العربي الجديد" التي تم إنشاؤها أصلاً للتنافس مع قناة الجزيرة برئاسة عزمي بشارة. ويرى مراقبون أن السعودية تحاول تقليم أظافر قطر، فالرياض ترى أن حجم الوحة الجيوسياسي من حيث صغر المساحة وقلة عدد السكان لا يتناسب مع الدور الإقليمي الكبير الذي تلعبه في المنطقة، كما أن دعمها المادي لحماس لا يتناسب مع الإملاءات الأمريكية التي تعتبر حماس حركة إرهابية، ويبدو أن قطر في طريقها للاستجابة لهذه الضغوط، حيث طردت مجموعة من أفراد حماس إلى ماليزيا، كما نفى وزير خارجيتها، دعم بلاده لجماعة الإخوان المسلمين، وفي حال نفذت الدوحة مطالب الرياض، فإنها ستكون بمثابة خدمة كبيرة تقدمها واشنطن لتل أبيب، فالتضييق على حماس يأتي على رأس الأولويات الإسرائيلية.