في الوقت الذي يبحث فيه حلف شمال الأطلسي عن موطئ قدم جديد له في منطقة الشرق الأوسط، ليكون قريبًا من جميع الصراعات وجاهزا للتدخل وقتما وجد الموقف مناسبًا، تفتح المنطقة الخليجية أحضانها لهذا التدخل الأجنبي وترحب بتكريسه في المنطقة العربية. شهدت الكويت، الثلاثاء الماضي، افتتاح المركز الإقليمي لمنظمة حلف شمال الأطلسي، بحضور أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ، ووزير الخارجية الكويتية، صباح الخالد الصباح، ووزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، وآخرين من الشخصيات السياسية الخليجية. خلال حفل افتتاح المركز الذي أُنشئ بناء على "مبادرة اسطنبول للتعاون"، التي أطلقها زعماء دول الناتو في عام 2004، دعا أمين عام الحلف إلى تعزيز التعاون الأمني مع دول الخليج العربية، مؤكدا أن المركز يهدف إلى تعزيز الشراكة بين الحلف ومنطقة الخليج العربية بأكملها، وأضاف ستولتنبرغ: المركز سيعزز التعاون بين الجانبين في العديد من الجوانب، من بينها التحليل الاستراتيجي والتخطيط للطوارئ المدنية والتعاون العسكري، كما أنه سيمثل مركزًا حيويًا للتعاون بين الحلف وشركائنا في دول الخليج على جميع الأصعدة، لاسيما في الحرب ضد الإرهاب. من جانبه، أكد وزير خارجية الكويت، صباح الخالد الصباح، أن المنطقة تواجه تحديات تتطلب التعاون مع المنظمات الدولية، وقال خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة الافتتاح: الكويت تؤمن إيمانًا كاملًا بأن هذا الصرح يعتبر لبنة أساسية في مجال تعاوننا نحو تعزيز الأمن والسلم الدوليين، لاسيما أننا جميعًا نتقاسم مبادئ مشتركة تدعو إلى الحوار وتهدف إلى السلام وتنشد الأمن والاستقرار. وتهدف "مبادرة اسطنبول للتعاون"، التي تشارك فيها الكويت وقطر والإمارات المتحدة، فيما تبحث السعودية وعمان الانضمام إليها، إلى تعزيز الروابط الأمنية بين الحلف ودول الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج، ومن المفترض أن يساعد المركز الجديد للحزب في الكويت، دول الخليج عبر دورات تدريبية في المجال الأمني للتعامل مع التهديدات، التي تطال المعلومات والطاقة، بالإضافة إلى التعامل مع تهديدات أسلحة الدمار الشامل. افتتاح المركز الجديد لحلف الناتو في الكويت، يعتبر الأول من نوعه في المنطقة العربية والخليجية، حيث يأتي في إطار محاولات الأطلسي التمدد في العالم، خاصة في ظل الصراع الأوروبي مع العديد من الدول العظمى ذات النفوذ المتصاعد، وعلى رأسهم روسيا، التي أصبح لها نفوذ واسع في المنطقة الأوروبية بعد ضم جزيرة القرم إليها، إضافة إلى نفوذها في سوريا والعراق، ناهيك عن تدهور العلاقات الأوروبية التركية مؤخرًا بعد توقيع اتفاقية اللاجئين ورفض العديد من الدول الأوروبية انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي جعل تركيا تتقارب مع روسيا العدو اللدود للقارة العجوز، كمحاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، إضافة إلى التخوف الأوروبي من سياسة الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الذي يتوقع أن ينهي شراكته ودعم بلاده المالي والسياسي للحلف الأطلسي، بعدما قلل من دور الحلف في العديد من المناسبات. كل هذه التهديدات دفعت "الأطلسي" للبحث عن بؤرة جديدة للانطلاق والتوسع وتعزيز القوة، مثلما فعل في سبتمبر عام 2015، بعد ضم روسيا لشبة جزيرة القرم، وهو ما رد عليه الحزب بإطلاق ستة مراكز في الحدود الشرقية لأوروبا، بالمجاورة مع روسيا، وكانت المراكز الستة في رومانيا وبلغاريا وليتوانيا وإستونيا ولتيفيا وبولندا، مع الأخذ في الاعتبار أن الدول الأربع الأخيرة تملك روسيا حدود مباشرة معهم، الأمر الذي مثّل تهديدا للأمن القومي الروسي، وقالها الحلف وقتها بوضوح، إنه سيعمل في ستة مراكز قيادة على حدوده الشرقية لتحسين إمكاناته العسكرية في مواجهة السياسة الروسية في أوكرانيا، واليوم، فإن الحلف لم يجد أفضل من المنطقة الخليجية التي باتت أشبه بالدميه التي تحركها المصالح والأهداف الغربية، ليضع قدمه فيها ويجعلها نقطة انطلاق وتهديد لدول المنطقة كافة. افتتاح المركز الإقليمي لحلف شمال الأطلسي في الكويت، لم يكن التواجد الأجنبي الأول الذي تشهده هذه الدولة العربية الخليجية، حيث تضج الكويت بالقواعد العسكرية الأجنبية، خاصة الأمريكية التي نشطت كثيرًا بعد حرب الخليج الثانية، فتعتبر الكويت من أهم قواعد القوات الأمريكية ويرابط بها حوالي 130 ألف من الجنود ومشاة البحرية، إلى جانب أكثر من 1000 دبابة وعدة مئات من الطائرات المقاتلة والمروحيات، كما أن هناك أكثر من 20 ألف جندي بريطاني في الكويت، ومن أهم القواعد العسكرية في الدولة الخليجية أيضا، معسكر الدوحة ومعسكر عريفان، ومعسكر التدريب فرجينيار.