عندما تُبرم الاتفاقيات بين أصحاب الأعمال والشركات يكون هنالك طرفان للعقد تسري عليهما مواده وشروطه وأحكامه العامة وتسري على كل طرف منه الشروط والأحكام الخاصة به. إلى هذا الحد تسيرالأمور بسلالة حتى تظهر احتمالات تدخل طرف ثالث بشكل مباشر أو غير مباشر في الأعمال التي يتضمنها التعاقد أو الاتفاقية. هنا تظهر المواد الخاصة والشروط والمحددات الصارمة التي تضمن عدم الإضرار بالاتفاقية بين الطرفين وضبط تدخلات أي طرف ثالث. ينطبق ذلك على عقدنا الوطني مع المجلس عسكري الذي أُبرم في وضح النهار وفي الطريق العام وسط ملايين الشهود من جميع أنحاء العالم على أن يكون الطرف الأول هو الشعب والطرف الثاني هو القوات المسلحة المصرية (لا المجلس العسكري الذي خرج علينا كعفريت العلبة بهيئة كاملة وشروط ومحددات وأعضاء وكأنه لم يكن في الثلاجة لعشرات السنين لم يسمع عنه أحد بفضل المخلوع. بدأ المجلس العسكري في تطبيق برنامج محروق ألف مرة قبل ذلك ويستخدم استرتيجيات أثرية وُضعت في متاحف السياسة منذ أمدٍ بعيد، وكان الغرض منها إجهاض الثورة التي تمثل الطرف الأول في التعاقد وصاحبة الملكية المتعاقد على إدارتها. استهل المجلس عمله باسترتيجية الخداع التي لم تنطلي على المصريين فمنذ 28 يناير 2011 وقت نزول القوات المسلحة إلى الشارع حيث توحد الجميع في البداية على هتاف “عسكر تاني لأ” منذ العاشر من فبراير الماضي. انتقل العسكر بعد ذلك إلى استراتيجية عصا الشرعية ليسألنا “من أنتم؟”، وهو سؤال يعلم الجميع نهاية من يسأله، ولكن السؤال هذه المرة كان بلغة التتار في وإسلاماه “لما أحب أكلم مصر أكلم مين؟” بالطبع لم نشر عليه كثوار أن يطلب 140 دليل، بل قلنا تحدث معنا. فرد لا ليس أنتم من تمثلون الشعب المصري. طُرح هذا السؤال في وجود الدكاترة أبو الغار، البرادعي، حسام عيسى وغيرهم من العظماء علمًا وخلقًا ودينًا تجاهلهم المجلس، وهو ما يؤكد خبث النوايا. وكانت هذه هي بداية ظهور الطرف الثالث في شكل مئات ائتلافات شباب الثورو والجمعيات الأهلية غير المرخصة مثل جمعية ائتلاف شباب دار السلام مثلًا. ومن فوره دون أن يلتقط أنفاسه اتجه المجلس العسكري إلى إلى استرتيجية التصفية من خلال فض الاعتصامات بالقوة، الاعتقالات ، الخطف، التعذيب، التهديد، الاضطهاد، وأخيرًا القتل (تحية معطرة إلى شهداء مصر من ميدان التحرير إلى محمد محمود إلى مجلس الوزراء ودار القضاء العالي) حيث استخدم المجلس جميع الأساليب غير المشروعة في تصفية القوى الثورية بدءً من الشرطة العسكرية وانتهاءً بالبلطجية بمختلف أنواعهم في مختلف الأزياء من صناعة المجلس تحت دعوى الطرف الثالث أيضًا. جاء بعد ذلك دور الاستراتيجية الأزلية “فرق تسد” لإشاعة الفتنة الطائفية وإشعال نيرانها والتي لم تكن سوى سلسلة من الأزمات المفتعلة التي جعل المجلس حلها في يد الإسلاميين من أمثال محمد حسان وشركاه في البيزنس الإعلامي. فلدينا أحداث إطفيح، إمبابة وأسوان ومذبحة ماسبيرو التي نتجت عن تراكم ما سبق من أحداث والتي لعب فيها الطرف الثالث الدور الأكبر على الإطلاق لدرجة أن القضية التي تحقق فيها النيابة العسكرية الآن بشأن المذبحة بلا متهم سوى علاء عبد الفتاح أحد المجني عليهم ليكشر المجلس عن أنيابه ويظهر الوجه الحقيقي بقتل 30 تقريبًا من خيرة شباب مصر مسلمين ومسيحيين. ويبدو أن المجلس اعتمد في القيام بهذه البلطجة الممنهجة على ضعف ذاكرة الشعب المصري الذي نسى أنه هو نفس المجلس الذي أعطى الأوامر للشرطة العسكرية بمهاجمة مركز هشام مبارك الذي كان مسئولًا عن دعم الثوار خلال ال 18 اليوم الأولى من الثورة ببعض البطاطين والأغذية البسيطة. أما آخر صيحة في بيت رعب العسكر فكان الترويع بالقانون، النيابة نيابتنا نفعل بها ما نريد نستدعي من نشاء ونفرج عمن نشاء، هذه الفسلفة اللاهوتية التي يتبناها المجلس في إدارة البلاد حيث بدأ في استدعاء شرفاء الوطن إلى النيابة للتحقيق معهم في بلاغات كرتونية يقدمها تقريبًا نفس الأشخاص الموظفين بالدولة على رأسهم عبد العزيز فهمي عبد العزيز وضابط بالداخلية يُدعى أحمد الأعصر. فهل هناك سذاجة أكثر من ذلك، لا أعتقد. ولما باءت كل هذه المحاولات بالفشل بدأ المجلس ليلته القمعية التالية بإدخال الشعب في نفق الرعب المظلم ونشر سيناريوهات الخراب المستعجل والحرق والدمار بين عامة الشعب ليحقق هدفين؛ الأول أن يبقى كل في منزله والثاني إلصاق التهمة الوهمية بالثوار وإثارة الرأي العام ضدهم. وللأسف اكتشف المجلس فشله الذريع في السيطرة على الأوضاع والإمساك بقطعة الجيلي التي تسمى مصر ما بعد 25 يناير بدأ في الترويج للسيناريو نفسه على لسان أكبر رأس في العسكر، المشير طنطاوي، الذي أخطأ المجلس عندما كلفه بمهمة الترويج للسيناريو المشئوم لأنه ببساطة فضح المخطط قائلًا “الجيش لو مسكتش هنولعها” وطبعًا الجيش مش ساكت، لاحظ كلمة الجيش هي التي بدأت تتصدر المشهد الإعلامي لا المجلس العسكري، عمومًا لا يتعدى استخدام كلمة الجيش بدلًا من المجلس ورقة توت يحاول المركز ستر عورته بها، ولكنها ورقة توت تملؤها الأشواك حيث تنطوي على تهديدات لكل الشعب المصري. ولما كانت الليلة التالية من ليالي استبداد العسكر توجه بدعاوى التخريب وسيناريوهات حرق البلاد وترويع العباد الوهمية إلى من وضع الشعب ثقته بهم، الإخوان، لتروج جريدة حزب الحرية والعدالة لفكرة التخريب المحتمل اعتمادًا على رصيدها في الشارع المصري، ولكن هذا المسلك لم يفلح أيضًا. وحتى مع اختراع تهم جديدة ما أنزل قانون مصر بها من سلطان مثل إيهام الرأي العام، لا أعرف الفرق بينه وبين إيهام شاهين، التي وُجهت إلى الشيخ مظهر شاهين ونوارة نجم. وتهمة دعم المقاومة الفلسطينية وتهمة التحريض على قتل الصهاينة التي وجهت إلى عضو الإخوان د/ صلاح سلطان. حدث المجلس نفسه قائلا، لماذا ألجأ إلى الابتكار ولدي نموذج بشار؟ فأعلن من فوره عن الإفراج عن المساجين المحكوم عليهم جنائيًا بماحكم عسكرية وعددهم يتجاوز ال1500، والذين إن كانت تهمهم الجنائية صحيحة فهو عارعلى المجلس أن يعفو عنهم ويطلق المزيد من المجرمين بين أبناء الشعب المصري، أما إذا كانت تهم جنائية ملفقة، وهو أغلب الظن، فالمجرم حينئذٍ هو المجلس الملفق المحرض، كما تناسى المجلس أيضًا أن هناك ما يزيد على عشرة آلاف سجين محكوم عليهم عسكريًا يطالب الشارع بالإفراج عنهم. بناءً عليه، وبلغة القانون، طالما أخل المجلس العسكرين بصفته طرف في عقد الإدارة الموقع مع شعب مصر، لذلك أدعو كل صاحب منطق أن ينزل معي إلى الميدان لإعلان فسخ التعاقد مع المجلس العسكري والتعاقد من جديد مع مجلس الشعب المنتخب. ولنقولها بأعلى صوت “جرابك فاضي يا حاوي” “عقدك باطل يا مجلس”. وسوف نتقدم بكل الشكر والتقدير للمجلس العسكري، لا على خدماته وجهوده في إدارة البلاد، ولكن على إفراغ كل محتويات جراب الحاوي النظام وسلطته ومجلسه العسكري والمنتفعين منه. نشكره لأنه أفرغ جراب بابانويل ولم يعد لديه هدايا يكمم بها الأفواه أو يقرع بها الآذان لتصم ولا تسمع ولا أي أداة يمكنه من خلالها التحكم في مصائر البلاد والعباد.