أكد الدكتور رفعت لقوشة المنسحب من عضوية الجمعية التأسيسية أن مسودة الدستور النهائية تحتوي علي تجاوزات صارخة، وتتجاهل قواعد مهمة، وتناقض بعضها في العديد من موادها. وأوضح أن مسودة الدستور تفتقر إلي نص يؤكد أن 'مصر هي دولة القانون' علي الرغم من الإشارة إلي 'سيادة القانون' لأن هذا النص يعني أن مصر تحولت إلي 'دولة تنفيذ القانون'، غير أن دولة القانون تعني أشياء أخري، ومنها أن يكون القانون عادلاً، ويحمل القيم الديمقراطية، ويجعل المشرع دائماً في اتجاه الانحياز إلي الحقوق والحريات ولا يقيدها، ولذلك عندما نص الدستور علي الحقوق والحريات، لم يمنحها الضمانات اللازمة، حيث جاءت كلمات مرسلة في هذا الشأن، إلا أن الضمان الأول لم يأت أبداً في النص، وهو أن القوانين التي تنظم الحقوق والحريات لا يجوز لها أن تصادر مضامين هذه الحقوق والحريات، وتقيدها بقيود تتنافي مع مواد الدستور. وقال 'إن العديد من الحقوق والحريات تبدو دائماً منظمة بواسطة قوانين، وكان دستور 1971، والدساتير السابقة تحيلها إلي قوانين، وكانت القوانين تتكفل بإهدار هذه الحقوق والحريات'. وأوضح د.رفعت لقوشة أنه داخل الحقوق والحريات، تغيب العديد من الأشياء، ومن بينها الحرية النقابية، والإصرار علي أن كل مهنة تنظمها نقابة واحدة، علماً بأنه وببساطة شديدة، سوف نفترض في المجتمع الجديد أن النقابات سوف تقوم بمساومات جماعية مع جهات العمل لتحسين شروط العمل، ولكن هذا الحق للنقابات لم يأت ذكره نهائياً رغم اقتراحه خلال المناقشات، وأيضاً لم تتضمن الحقوق والحريات والتزامات الدولة أي حديث عن التزام الدولة بمكافحة الفقر، مع أن هناك التزاما بالقضاء علي الأمية، بحسب ما ورد بنص المادة '61' من مسودة الدستور. ومضي د.لقوشة يقول في معرض رفضه لمسودة الدستور 'كانت واحدة من القضايا المهمة قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 هي التوحد القائم بين الحزب الحاكم والجهاز الإداري والمدني للدولة، وعلي الرغم من أنه تم التقدم بمقترح بأن ينص الدستور علي أن الجهاز الإداري والمدني للدولة يتمتع بالحياد إزاء الأحزاب السياسية، وذلك كرسالة تطمين للمصريين، إلا أنه تم التغاضي عن هذا الاقتراح. وبالنسبة لحرية الصحافة والإعلام، أوضح أنه كان هناك حديث عن حرية الإعلام والتعبير خلال المناقشات، إلا أنه لم يأت في النص ما يفيد أن المؤسسات الصحفية الحكومية المملوكة للدولة مستقلة سياسياً عن التوجهات السياسية للأحزاب والسلطة التنفيذية، رغم أن هناك مقترحا تقدمنا به في هذا الشأن، ولم تتم مناقشته. ومن الأمور المثيرة للجدل يقول د.رفعت لقوشة - إنه في الوقت الذي تم النص في الدستور علي أن الحرية الشخصية حق طبيعي لا يمس، إلا أنه تم رفض وعدم مناقشة أن الكرامة الانسانية هي حق طبيعي لكل انسان، بالرغم من أن 'الكرامة الإنسانية' كانت أحد مطالب وشعارات الثورة، ويضاف إلي ذلك غياب أمرين أساسيين: أولهما: غياب عن أي حديث في الدستور عن حقوق الملكية الفكرية. وثانيهما: غياب الحديث عن حق الفرد أو المواطن ألا يتم تهجيره قسرا من مكان إقامته إلي مكان اقامة أخري. وبالنسبة لباب السلطة القضائية قال د.لقوشة إنه لا يطمئن تماماً إلي استقلال السلطة القضائية، وذلك عكس ما جاء في الديباجة، وما أسس عليه الدستور، واعتبر أن الدستور وقع في هذا الشأن في خطأ كبير، بحسب ما ورد في المادة '173' من باب السلطة القضائية، فبالنسبة للمادة المتعلقة بتعيين النائب العام أكدت أن تعيينه يتم بقرار من الرئيس بناء علي اختيار مجلس القضاء الأعلي، إلا أنه، وعلي ضوء الإعلان الدستوري المثير للجدل الذي أصدره رئيس الجمهورية مؤخراً، فقد جري تعيين النائب العام بقرار من الرئيس، ولمدة 4 سنوات، ودون التشاور مع مجلس القضاء الأعلي، وخطورة الأمر هنا أنه لم يأت في الأحكام الانتقالية لمشروع الدستور كيفية التعامل مع النائب العام الذي جري تعيينه بشكل مخالف لما يتضمنه النص الدستوري. ويضاف إلي ذلك أن الدستور أعطي لرئيس الجمهورية الحق في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، ومن ثم فنحن في النهاية أمام سلطة قضائية غير مستقلة تماماً. وأبدي د.لقوشة دهشته من أنه، وللمرة الأولي في التاريخ تأتي ثورة، وترفع مطالب محددة، ثم يأتي الدستور، ولا يحصن هذه المطالب من التعديل فلا توجد مادة واحدة في هذا الدستور بمأمن من التعديل، وفي هذا خطر كبير، خاصة أنه وفقاً لمواد الدستور فإن الأغلبية في مجلس النواب تستطيع أن تقوم بتعديل أية مادة في الدستور أينما ووقتما تشاء.. فوفقاً للباب الخامس، والأحكام الختامية والانتقالية - الفصل الأول والخاص بتعديل الدستور، توجد مادتان، يحكمهما أنه لا توجد مادة واحدة محصنة ضد التعديل. وخطورة ذلك حسب ما يري - أن أية أغلبية بمجلس النواب أن تتقدم بتعديل أية مادة في الدستور لو حصلت علي أغلبية الثلثين بطرح الأمر للاستفتاء، ويكون بمقدرتها في حال حشد 51% من الأصوات، أي الأغلبية البسيطة أن تعدل أية مادة في الدستور، بينما الأصل أن تكون هناك مواد محصنة ضد التعديل، وأن يجري إحكام عملية التعديل بضوابط، لأن الدستور ليس ألعوبة في يد الأغلبية. وفي نفس الوقت يقول د.رفعت لقوشة: فنحن نعلم جميعاً المخاطر التي تحيط بمصر إقليمياً، ومن المفترض أن الدستور يتبصر ما هو قادم، فالمادة الأولي تتحدث عن أن مصر، أراضيها موحدة لا تقبل التجزئة، ولكن جري رفض مناقشة اقتراح تقدمت به بأن يضاف إلي النص عبارة ولا تقبل التجزئة ولا المبادلة - وقدمته مكتوباً للمستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية، إلا أن أحداً لم يهتم بمناقشة الاقتراح'. وبالنسبة للمادة '219' التي تتحدث عن مفهوم مبادئ الشريعة الإسلامية، فإن ما ورد فيها ليس من القواعد الدستورية، لأنه ليس من المنطقي أن يتضمن الدستور مواد مفسرة، لأن تلك المادة تفسر المادة الثانية من الدستور، وهذا ليس من قواعد كتابة الدستور، وإلا لذهبنا إلي وضع مادة مفسرة لكل مادة ترد في الدستور، وإذا أردنا أن نفسر المقصود أن نضع الأمر في الديباجة، وليس في النص الدستوري. ويضيف د.رفعت لقوشة أنه من الخطأ تمرير دستور مصر بنظام الأغلبية في الاستفتاء، لأن الدستور، والذي يشكل أهمية استثنائية في تاريخ الأمم يجب أن يتم تمريره بأغلبية خاصة في الاستفتاء، مثل أغلبية الثلثين علي سبيل المثال، مضيفاً أن هناك من القوانين ما يجري تحديد أغلبية خاصة لتمريرها، فكيف يتم تمرير الدستور بالأغلبية البسيطة رغم خطورته علي مستقبل الشعب. وحول طبيعة نظام الحكم الذي أقرته مسودة الدستور يقول، إنه لا يوجد نظام حكم حقيقي داخل الدستور، بل إن نظام الحكم الموجود في الدستور هو نظام بلا نظام، وسوف يقود مصر إلي أزمات بلا حدود، مشيراً إلي أن هناك ثلاثة نظم للحكم في العالم، إما نظام حكم برلمانيا، أو رئاسيا، أو مختلطا، وقد كان اختيار الجمعية التأسيسية منذ البداية للنظام المختلط، وغرفتين تشريعيتين، وفي هذا النظام يتم اختيار الرئيس والبرلمان بالاقتراع المباشر، وفي هذه الحالة يقوم النظام المختلط علي قاعدة التوازي بين الرئيس والبرلمان، وأيضاً علي قاعدة التكامل بين المجلسين التشريعيين، وما جري في هذا النظام لم يحدث في العالم كله، لأنه تمت إحالة النظام إلي نظام برلماني 'مقنع' بحيث إنه منحت الأغلبية البرلمانية الحق في تسمية رئيس الحكومة، وهذا لا يجوز بنص دستوري في أي نظام مختلط، وبالتالي داخل هذا النظام تشكلت سلطة تنفيذية برأسين، أي سلطة تنفيذية برأسين وتعني ضعف السلطة التنفيذية وحدوث أزمات سياسية متكررة، ووفقاً لهذا النظام يصبح مركز القوة الحقيقي في نظام الحكم للأغلبية بمجلس النواب، وبهذا يتحول المجلس التشريعي الثاني 'الشوري' إلي مجرد مجلس بلا قيمة ولا دور، بل مجلس تحت وصاية مجلس النواب، وبهذا الشكل يصبح لدينا نظام حكم بلا توازنات علي الإطلاق، وعلي هذا فإن حزب الأغلبية يحصل علي مصر كعزبة يتحكم فيها كيفما يشاء.