الإحساس بالألم شىء صعب والإحساس بالفقر يكون أصعب واللجوء إلى حلول غير مضمونة لعلاج الألم هو بالفعل الأصعب. بل هى معادلة شديدة القهر يشعر بها أغلب المصريين الذين قد يصيبهم المرض فإذا لجأوا إلى الطبيب وجدوا الكشف قد تعدى مئات الجنيهات واذا أرادوا شراء دواء لا يجدون فى جيوبهم ما يكفى لذلك يكون الرصيف هو الحل الأسهل. من وجهة نظرهم والأخطر على الصحة بكل مقاييس الحياة. لكن أمام الفقر وضيق ذت اليد يصبح بعض من الشعور بالراحة حتى لو بدواء مجهول المصدر هو غاية ما يتمناه مريض أعياه الفقر قبل المرض. أدوية الرصيف أصبحت صورة مكررة ويكفى أن تأخذك قدماك إلى ميدان العتبة أو رمسيس لتجد البضاعة معروضة فى عز الظهر والأدوية على المكشوف. يعرضها من جاءوا من أفريقيا أو بائعون مصريون. فاذا جلست فى بيتك فمن على الانترنت تأتى لك كل الأدوية المستوردة التى تطلبها «وأنت وحظك فقد تكون سليمة أو مضروبة» المهم أن التواصل مع هذه الصفحات يكون من خلال أسماء مزورة والمقابلة بالشارع أو أحد خطوط المترو هروبا من القانون. على الرصيف كانت الجولة التى ستكتشف من خلالها أن كل الأدوية موجودة على الرصيف لمن يدفع الثمن وهو للأسف « رخيص « كما يقول مصطفى محمد شاب استفزته تلك الأدوية الموجودة بلا رقابة والتى تنتشر بعيدًا عن نقابة الصيادلة أو جهاز حماية المستهلك وجميع الهيئات الرقابية. من هؤلاء من يبيع أدوية تحت مسمى مكملات غذائية ومنهم من علق لافتة «العلاج بالأعشاب «والتى تلقى رواجًا كبيرًا فى السوق المصرى بجانب عقاقير أخرى لعلاج العقم، والأمراض الجلدية مثل الصدفية والبهاق، وجميعها مقلد وعديم الفائدة. المركز المصرى للحق فى الدواء حاول متابعة تلك الظاهرة الخطيرة وكانت النتيجة رصده حوالى 40 صفحة على الانترنت، تقوم ببيع الأصناف الناقصة من الأدوية مثل صنف الألبومين». كما قام المركز منذ فترة برصد بعض الأدوية المغشوشة التى تباع على الرصيف لشركات أجنبية وبأسعاررخيصة منها عقار لعلاج تجلط الدم وهو عبارة عن حقنة واحدة ثمنها الرسمى 660 جنيها ويباع الصينى المهرب منه ب 40 جنيها فقط، وعقار آخر لعلاج الجلطة، ثمنه الأصلى 410 جنيهات ويباع ب120 جنيها،وعقار لعلاج تصلب الشرايين، العلبة 60 قرصًا ب600 جنيه، ويباع هذا العقار من خلال شركة صينية كما يقوم عدد من أطباء القلب ببيعه داخل عياداته. حبوب مخدرة للأسف ما بين الدواء المهرب والحبوب المخدرة طريق قصير يبدأ وينتهى فى الشارع فقد تجده أما بوابة الأجهزة الحكومية بين سايس الجراج وبائعة تجلس على طريق وتحمل بين ملابسها «الترامادول والأمادول والكونترمال والتامول والتراماجاك والترامنديل» وغيرها من المنشطات الجنسية، التى يتفاوت سعرها بحسب المكان الذى يتواجد فيه الزبون. وهْم الشفاء يبحث عنه من تعبوا من كثرة العقاقير الطبية أو يبحثون عن أمل ومنهم الحاجة «فتحية» التى تعبت من العلاج والذهاب لأطباء العظام بسبب الام العمود الفقرى. ولم تجد سوى الرصيف لتشترى منه «دهان النعام» الذى اشتراه لها ابنها من أحد الباعة السودانيين بميدان العتبة لظهرها وقدميها. ولكنها بمجرد دهان الكريم وجدت نارا فى جسدها كله واحمرارًا فى ظهرها وألمًا شديدًا جعلها تزيله بسرعة ولم تكرر التجربة بعد أن استعوضت الله فى ثمن العبوتين اللتين أحضرهما ابنها. أما عم علاء فقد جذبه بائع العسل الذى كتب عليه «منشط جنسى» لتبدأ محاولات الفصال والشد والجذب ليحصل على عبوتين للعسل ب200 جنيه. وقبل أن ينطلق بهما إلى بيته تراجع فى قراره بعد أن وجد زبونًا آخر جاء إلى البائع ليتشاجر معه لأن العسل الذى أعطاه له لم يأت بأى نتيجة أنه مجرد عسل عادى لا يتعدى ثمنه 40 جنيها. ليدخل عم علاء «فلوسه» فى جيبه ويمضى ذاهبا إلى حال سبيله ولم تفلح معه نداءات البائع الذى فقد ضحية جديدة. وكان مطالبا بسداد ثمن العبوات للزبون الأخر الذى هدده بابلاغ الشرطة. صيدليات مشهورة البيع لأدوية الرصيف وصل للأسف إلى صيدليات شهيرة ولعل المتابع لبعض حملات حماية المستهلك سيجد بين الحين والاخر عمليات ضبط أدوية منتهية الصلاحية وأخرى غير صالحة للاستهلاك الآدمى أصلا ففى الأسبوع الماضى أصدر اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك قرارا بغلق صيدليتين بمصر الجديدة لحين اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم نتيجة بيعهما أدوية محظورة وغير مسجلة. بعد شكوى من أحد المستهلكين حيث وجد تاريخ الإنتاج المدون على العبوات مخالفا لتاريخ الإنتاج المدون على شرائط الأدوية بالداخل، ما يؤكد أنها منتهية الصلاحية وتؤثر على صحة وسلامة المستهلكين. وليس هذا فحسب فلدينا أبرز نموذج لصيدليات مشهورة تبيع أدوية وعلاجًا بالأعشاب صدر ضد صاحبها أكثر من 22 حكمًا قضائيًا لمحاكم الجنح المختلفة وبعضها بمحاكم الاستئناف بسجنه بتهمة الغش التجارى للأدوية، حيث نصت هذه الأحكام على أن المتهم لم يراع أى حقوق للمستهلكين بل كان حريصًا على خداعهم والتلاعب بهم طمعًا فى تحقيق مكاسب خيالية من وراء هذه التجارة. ضعف القانون وللأسف عقوبة الترويج للأدوية المغشوشة لا تناسب الفعل. كما يقول الدكتور عادل عامر خبير فى القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية فالقانون رقم 127 لسنة 1955 عقوباته غير رادعة بالمرة حيث نص القانون على أن « عرض أو بيع أدوية انتهى تاريخ صلاحيتها أو مغشوشة أو فاسدة يعاقب من فعل ذلك بنص المادة 2 من قانون قمع الغش والتدليس بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من عشرة آلاف جنيه وحتى ثلاثين ألف جنيه مصرى ) وجود أية أدوية أو مستلزمات أو مستحضرات تجميل أو نباتات طبية مهربة وغير مسجلة بوزارة الصحة أو مجهولة المصدر يعاقب مدير الصيدلية بنص المادة 81 من القانون 127 لعام 1955 والمعدلة بالقانون 167 لعام 1998 بغرامة من عشرين ألف جنيه وحتى خمسين ألف جنيه للمسئول عن هذا. فإذا كان المسئول هو صاحب أو مدير الصيدلية يضاف للعقوبة المالية عقوبة غلق الصيدلية لمدة تتراوح من ثلاثة شهور وحتى اثنى عشر شهرا ) وفى جميع الأحوال تتم مصادرة الأصناف موضوع المخالفة. ويعاقب كل من حاول تهريب أدوية محلية كانت أم مستوردة إلى الخارج دون الحصول على ترخيص بذلك بغرامة من خمسمائة إلى ألف جنيه مصرى والحبس أو بإحدى العقوبتين مع مصادرة الأدوية المضبوطة وفى حالة العودة تضاعف العقوبة وذلك كنص المادة 83 مكرر من القانون 127 لعام 1955. عامر أكد أن أن حجم تجارة الأدوية المغشوشة فى العالم يقدر ب100 مليار دولار سنويا. وأن أكثر من 95% من الأدوية المتداولة على الانترنت هى أدوية مزيفة ومغشوشة والتقارير الطبية العالمية تدل على أن الغش قد يحدث فى الأدوية الموجودة والمعروفة ومستخدمة مسبقا، وايضا فى الأدوية المستحدثة، اى انه يمكن غش دواء اصلا كان موجودا ومستخدما أو إبتكار ادوية مزيفة من الأساس، وأن الأدوية التى يتم غشها تتعلق بالمضادات الحيوية، ومضادات الطفيليات، والهرمونات والكورتيزونات. الأخطر كما يقول عامر إن حجم الأدوية المغشوشة بلغ منذ 2011، 20% من حجم تجارة الأدوية فى مصر، وانخفض ليصبح 15% مع استقرار الأوضاع الداخلية. وأن معدل الدواء المتداول فى مصر يُقدر ب24 مليار جنيه، يُمثل الدواء المغشوش نحو 5 مليارات جنيه منها، من بينها أدوية المنشطات الجنسية التى تُباع على الأرصفة فى الشوارع والميادين مثل العتبة ورمسيس. وبعض تلك الأدوية تُسرب إلى الصيدليات بسبب ضعف الرقابة على المصانع، ؛ مما أدى إلى انتشار مصانع «بير السلم» وزيادة عددها بشكل مخيف لذلك يطالب عامربتعديل القانون الذى صدر فى الخمسينيات ولا تتناسب عقوباته مع الوقت الحالى خاصة مع تزايد نسبة ما يلتهمه سوق الدواء المغشوش من السوق العالمية والمصرية.