دعا عدد من العلماء والمفكرين والخبراء إلي صياغة ميثاق إعلامي إسلامي يحدد ملامح الخطاب الإسلامي الإعلامي خلال المرحلة المقبلة. وقال العلماء المشاركون في الحلقة النقاشية التي نظمها موقع علامات أون لاين بجمعية "الشبان المسلمين" أن الخطاب الوسطي المعتدل يجب أن يأخذ فرصته من اجل تقديم صورة سليمة عن الحركات الإسلامية. وخلال الندوة أكد الدكتور محمد مختار المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية في مصر ضرورة أن يتجمع العاملون في الإسلامي من كافة الحركات علي منهج وسطي موحد لنشر قيم الدين الإسلامي الوسطية والمعتدلة، والعمل علي الموائمة بين متطلبات الفترة الحالية وتحدياتها ومتطلبات الناس في آن واحد. وأوضح المهدي أن "البلبلة الموجودة علي الساحة حول الإسلاميين، هي مفتعلة علي أيدي أولئك الذين لا يريدون الخير لوطننا وديننا الحق"، مشيرا إلي أن رؤية الجمعية الشرعية لمواجهة هذه الحملات هو العمل بشكل جماعي بين كل العاملين بالكتاب والسنة. وأشار إلي أن العمل الجماعي الذي تبنته الجمعية لم يتسبب في صراع بين الجمعية وبين تيارات أخري، موضحا أن الجمعية الشرعية جمعية خدمية دعوية، وتبتعد عن أية سياسة حزبية تجعلها في إطار معين، من منطلق حديث النبي صلي الله عليه وسلم: "الدين النصيحة". وأضاف الرئيس العام للجمعيات الشرعية: "نريد أن يكون القرآن هو الغذاء الأساسي، لتعليم الأخلاق لتعليم الشريعة لتعليم القيم لتعليم الاقتصاد، بعد أن تم تجفيف قيم هذا الدين من قلوب الشباب في مراحل التعليم المختلفة"، داعيا جميع العاملين في الحقل الإسلامي إلي أن يكون هدفهم الأساسي تبليغ دين الله، لا السعي وراء المال أو السلطة أو إلي الدعوة إلي جماعته الحزبية فحسب"، قائلا: "إن الدعوة العملية أكثر إفادة من الدعوة الكلامية، نريد أن نقول بأننا علي مفرق من مفارق التاريخ في مصر، يحتاج هذا إلي أن نتعاون جميعا في توصيل هذه الدعوة بأسلوب القرآن الكريم لا بغيره". ومن جهته أكد الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسان, أن ما حدث في مصر من ثورة أطاحت بالنظام السابق, وقع وفق إرادة الله الكونية، وأنه بمثابة استجابة منه لدعوات المقهورين والمعذبين، وأنه "لو اجتمع شباب العالم كلهم، لن يقوموا بما حدث لو إرادة الله"، قائلا : "لا تسود دول، ولا تزول دولة إلا بأمر الحق سبحانه وتع إلي، فهو كل يوم في شأن". وقال حسان "إن المرحلة التي تحياها مصر مرحلة حرجة، وأن ما نشاهده من مشاهد الحرية، نراها حرية منفلتة، يقوم بها بعض أصحاب الأجندات الخاصة دون مراعاة لمستقبل هذا البلد الكريم"، مشيرا إلي أن دور رجال الإعلام في هذه الفترة هو غاية الخطورة، وطالبهم بأن يعوا خطورة ما يقومون به، قائلا: "للأسف إن الباطل يملك ما يملك من وسائل الإعلام أكثر من أهل الحق". وطالب حسان الإعلاميون أن يركزوا خلال الفترة المقبلة علي متطلبات المرحلة والتي تتضمن التركيز علي التطهير والتغيير، قائلا: "التغيير لا يمكن أبدًا أن يتأتي بالدساتير، مع احترامنا له، فالتطهير يحدث من أعماقنا، لقوله: إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم، فلابد أن يبدأ التغيير من كل فرد فينا". ودعا حسان كافة العاملين للإسلام أن يلتقوا علي ما يجمعهم من أصل القرآني، في الوقت الذي التقي فيه التيارات الوضعية الأخري، التي لا أصل لها سوي محاربة دين الله"، قائلا: "يجب أن يركز العلماء علي أصول الخلاف وأدبه، لا حرج أن نختلف، فالتضاد في هذه المرحلة ما دام في الفروع، فلا حرج مادام الاختلاف في الفروع لا في أصل، لأن اختلاف الفروع سيظل إلي يوم القيامة.. ونلتقي علي الأصول والقضايا الكبيرة". وطالب العلماء بالتكامل بدلا من التآكل، والتناصح بدلا من التقاذف، فلن يستطيع أن يقوم فيصل إسلامي بمفرده بالقيام بنهضة هذه الدعوة، فهناك السياسة ومحترفوها، وهناك الشرعي ومحترفوه، فالمطلوب هو التكامل بين فصائل العمل الإسلامي، مشيرا إلي أن الخلاف الآن هو "خلاف التضاد". وأضاف حسان: "لابد أن يركز الخطاب الإعلامي كذلك علي ترسيخ منهج الحب في الله، وأخوة الإيمان بعيدًا المنافع والمصالح الشخصية، ينبغي أن يركز علي عدم عقد الولاء والبراء، كذلك علي ترسيخ الفهم الصحيح لمراد النبي ومراد الله، وأهمية العمل، فنحن لسنا أقل من الشباب في أوروبا، أو أمريكا، كما ينبغي أن يركز الإعلام علي ما فسد من أخلاقنا، فأزمة الأمة أزمة أخلاق، وأنا أعجب حين أري النبي يختزل قضية الأمة كلها في الأخلاق، فقد قال: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فلماذا أقف في منتصف الطريق"، مشيرا إلي أن البعض يعتقد أنه لن يخدم دين الله إلا وهو علي المنبر، واصفا إياه بالخلل الكبير. وختم حسان كلمته بالقول: "نريد محاسبة المسئولين محاسبة عادلة، ولابد أن نمد جسور الثقة في مؤسساتنا، فالخير فيها إلي قيام الساعة". وفي سياق متصل أكد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين والمتحدث الإعلامي باسمها الدكتور عصام العريان أن المشروع الإسلامي الآن محط أنظار العالم، مطالبا بخطاب إعلامي إسلامي متنوع بتنوع جمهور المخاطبين. وقال "الإسلام الآن أصبح مدعو الآن إلي الحديث والتواجد، فحديث الناس الآن عن المشروع الإسلامي محط أنظار العالم، فنحن أمام تحدي كبير، فلابد أن يكون خطابنا متنوع بتنوع جمهور المخاطَبين.. فهناك خطاب العامة الذي أصابهم قلق من فثوي هنا أو هنا، وهناك خطاب للمثقفين، وفئات أخري، ولا أعني أن يكون هناك خطاب عام وخاص، بل خطاب ينطلق من نفس القواعد والأصول". وطالب العريان الدعاة أن يتحملوا الأذي لأنهم أصحاب دعوات ربانية، وكذلك أن يكون يتحلي خطابهم بالرفق واللين والأخلاق الكريمة، لأن هذا هو نهج القرآن في خطابه للآخرين، قائلا: "لا نريد أن ننتصر لأنفسنا، فخطابنا خطاب هداية للجميع، فهو هداية للعامة، هدايا للمسلمين للرقي بأخلاقيهم، هداية إلي غير المسلمين، فلابد من مخاطبة الناس علي قدر عقولهم". وأكد علي ضرورة تعظيم القواسم المشتركة بين الدعاة وبين الناس، مثل الأخلاق والقيم العام التي اتفق عليها الناس كلهم، مطالبا بأن يركز الخطاب الإعلامي علي التركيز علي نشر فهم "عدم الاستدراج إلي المعارك الجدلية التي تشنها وسائل الإعلام المضادة، بل والعالم أجمع وما تشنه من حملات التخويف". وأشار العريان إلي أن الثورة المصرية قامت بمشاركة الجميع، قائلا: "علينا دور كبير في إقرار تكامل الديمقراطية بالروح الإسلامية، وأن هناك اتفاق كبير جدًا بين الديمقراطية والروح الإسلامية وقيمها، فنحن أمام تحد حقيقي، و تطبيق النظام الإسلامي المعاصر الذي يتوافق مع روح العصر، فأمامنا الكتاب والسنة نأخذ منهما ونستلهم منهما ما يتناسب وروح العصر، ونحتاج إلي لغة خطاب يتحدث عن الإسلام والتواصل مع العالم لنشر ثقافته، فنحن في حاجة للتواصل مع العالم لإزالة الغبار عن الإسلام وقيمه", وأوضح العريان أن جماعة الإخوان المسلمين تعمل علي مشروع إعلامي ضخم لإطلاق بعض الوسائل الإعلامية التي تذب عن الإسلام في الداخل والخارج، الأمر الذي يحتاج إلي تضافر جهود الجميع. ومن ناحيته أكد القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد الدكتور عبد الرحمن البر أن الفساد المنظم لا يزول إلا بالإصلاح المنظم، مشيرا إلي الحركات الإسلامية تحتاج إلي التواصل والتعاون فيما بينها. وشدد البر علي ضرورة إقرار عدة أصول قبل الوصول إلي خطاب إعلامي للحركات الإسلامية وهي: "أولا إن أصحاب الدعوات الحقة كلهم طلاب حق، ثانيُّا: لابد أن نلتمس العذر لمخالفنا، فلابد من توقير واحترام الآراء الأخري، ثالثًّا: إن انتقاد رأي من الآراء لا يعد انتقاصًا من قدره بأي شكل من الأشكال، فهذا ينافي العدل والأنصاف، رابعا: الأنصاف اللائق في أهل العلم، ألا يجد العلماء غضاضة الرجوع إلي الحق، خامسا: أن الاختلاف الحاصل بين علماء الحركات الإسلامية لا يمس الأصول، بل في بعض مسائل الفروع، ولهذا لا ينبغي أن يكون اختلافهم داعيًّا إلي تفسيق أو تذبيح أو تفسيق أو قطيعة أو غيره". وحول الخطاب الإعلام أكد البر ضرورة أن يتحلي الخطاب الإعلامي منهج القرآن والسنة من ترغيب العامة وترغيب الآخرين من النظر ومراجعة رؤاهم إلي الإسلام. وأضاف "لابد أن يكون خطابنا تجميعيًا توافقيًّا ظاهرًا وباطنًا، لا مجرد خطاب ظاهري، يجب أن يكون مزيلا للشبهات التي تلقي في طريق الإسلام ومنهجه، وأن يكون شاملا لكافة مناحي الحياة ومجالاتها، وأن يكون الخطاب الإسلامي قادرا علي ترسيخ قيمة الشمول، وأنه جاء لسعادة الفرد في كافة مناحي الحياة، وأن يكون خاضعًا للتنقيح والانتقاد والمراجعة، ومعتدلا في تكوين النظريات والأشخاص والأحداث. ودعا البر إلي أن يكون الخطاب الإعلامي الإسلامي معتدلا، وعالم بمتطلبات العصر وتطبيقات المرحلة، ويتبني هموم الأمة، ويشعر به رجل الشارع بأن من يتحدث يملك حلا إسلاميًّا عمليًّا لا مجرد نظريات لا حياة فيها، وأن يكون قائما علي التخطيط والمؤسسة مشجعًا علي العمل الجماعي". من جانبه، أكد الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عمار علي حسن أن الخطاب الإعلامي لا يعني فقط الملفوظ من الكلام، وإنما يشمل الإيماءات والإيحاءات والإشارات، مطالبا القائمين علي الإعلام الإسلامي بمراعاة الرموز والإشارات والسيمائيات. وقال: "في البداية أود فقط التفرقة بين الدين والتدين، فالدين للناس جميعًا، أم التدين فهو مختلف بين شخص وآخر، وبدرجات مختلفة"، مشيرا إلي أن الخطاب الإعلامي الإسلامي خطاب مقبول، شاء الناس أم أبوا، إلا أنه في الوقت ذاته خطاب محاصر، وذلك لأن الإسلاميين لم تتوفر لهم منابر إعلامية متمكنة، وهذا ربما المحترفين إعلاميًّا في مجال الدعوة الإسلامية قليل، لأن الاحتراف يتم بالتدريب والتجريب، لذلك ظلم التيار الإسلامي ظلمًا بينًا في هذا الأمر". وطالب حسن بانفتاح الخطاب الإسلامي للنقد البناء، قائلا "إن صديقك الذي يصْدُقك لا الذي يصدِّقُك"، مشيرا إلي أن الخطاب الإعلامي الإسلامي كان يتسم بعدة خصائص سلبية، أهما أنه متمايز لا متماثل، فهو يرفع من شأن التيار علي شأن العامة، وأنه إعلام يتسم بالمحاجة، التي دمرت الكثير من اجتهادات تراث الإسلام، فهذا عوق كثيرًا الخطاب الإعلامي الإسلامي. وأضاف: "إن الخطاب الإعلامي الإسلامي في أغلبه خطاب مشغول طول الوقت، تنصيني، يستعير النص القديم فقط، لا أقصد طبعًا القرآن والنسة، ولا أقصد أقول العلماء وكأنه ليس بينهم مجتهد إعلامي محترف، فخطاب الشيخ الشعرواي، كان خطابه بسيطًا يصل إلي كافة الناس وشرائحهم، أما الآن فأغلب الخطاب هو خطاب فئوي، يؤثؤ في فئة معنية فقط من الناس، كما أنه خطاب تعبوي، يعتمد علي العاطفة علي حساب الصواب، إلا أن الصواب أن العمل الإسلامي يقوم علي الاثنين.. فالإخلاص بلا صواب عمي، فإذا كانت الحركة الإسلامية عليها أن تمتلك الصواب في خطابها الإعلامي". وأردف قائلا: "إن الخطاب الإسلامي يقدم الفقه علي الحضارة، فهو طيلة الوقت بالفقه في الوقت الذي غيب فيه الأدب والفنون، فلابد أن نشدد علي أهمية الحضارة في صقل التاريخ الإسلامي ليس فقط الفقه، فالخطاب الإسلامي في المستقبل عليه أن ينتقل من الدعاية إلي الاحترافية، والانفتاح علي كل الأشكال الأخري، الرواية والإبداع والمسرح والقصة".