أكان يمكن أن تلاحق السلطات الفرنسية المنتقبات في الشوارع وتعاقبهن بالغرامة علي جريمة 'الستر' لو أنها احتفظت للإسلام أو المسلمين بأي قدر من مشاعر الاحترام؟ - ليس عندي أي دفاع عن النقاب، وأزعم أنه عادة بأكثر منه عبادة، وأقرب إلي التقاليد منه إلي التعاليم.. مع ذلك فإنني احترم من ترتديه أيا كان دافعها إلي ذلك.. وأعتبر الموقف الفرنسي مهينا ومستفزا للضمير المسلم.. علما بأنني عاجز عن استيعاب الفكرة التي ترددت في فرنسا مدعية أن ظهور بعض السيدات المسلمات بالنقاب في الشوارع الفرنسية، يهدد الجمهورية والعلمانية، حيث ما خطر ببالي يوما أن تكون أمثال تلك القيم الراسخة هشة إلي الدرجة التي تعرضها للسقوط والانهيار جراء ظهور بضع عشرات من المسلمات المنتقبات في شوارع بلد يسكنه أكثر من 60 مليون نسمة. لقد بدأ يوم الاثنين الماضي 11/4 تنفيذ القانون الذي أصدره البرلمان الفرنسي في شهر أكتوبر من العام '2010' بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، حتي علي السائحات المسلمات.. وبذلك أصبحت فرنسا الدولة الأوروبية الأولي التي تلجأ إلي هذا الإجراء، كما أنها كانت الدولة الأوروبية الأولي التي تمنع المسلمات من ارتداء حجاب الرأس في المعاهد الدراسية الحكومية.. ويقرر قانون منع النقاب غرامة 150 يورو أو إخضاع المخالفة لدورة تأهيل عن المواطنة، كما يعرض أنه كل من يرغم امرأة علي ارتداء النقاب لعقوبة السجن لمدة سنة وغرامة قدرها 30 ألف يورو.. وتتضاعف العقوبة إذا كانت المرأة قاصرا أو ترغم علي ارتداء النقاب. في اليوم الأول لتطبيقه تحدت اثنتان من الناشطات عن القانون، إحداهما كنزة دريدر وهي مسلمة فرنسية ترتدي النقاب منذ 13 عاما، التي ألقت الشرطة القبض عليهما لدفع الغرامة المقررة.. ومما قالته تعليقا علي ذلك: إن القانون ينتهك حقوقها كمواطنة أوروبية تمارس ما يكفله لها القانون من حرية التنقل والمعتقد.. في الوقت ذاته أعلنت نقابة الشرطة الفرنسية في بيان لها أن القانون غير قابل للتنفيذ ويثير التوتر، خصوصا في المناطق الحساسة التي تعيش فيها أغلبية مسلمة.. كما أعلنت بعض المنظمات الحقوقية عن تضامنها مع معارضي تنفيذ القانون، ودعت منظمة 'لا تمس دستوري' إلي تظاهرة احتجاج صامت ضد القانون، في ذات الوقت أعلن رجل أعمال فرنسي من أصل جزائري، اسمه رشيد تكاز، عن اعتزامه بيع عقار يملكه في المزاد العلني، لصالح تغطية نفقات الغرامات التي تفرض علي المنتقبات.. وقال إن هذا العقار يملكه مع زوجته الأمريكية الكاثوليكية، وقد قرر أن ينفق ثمنه علي قضية وثيقة الصلة بحرية النساء وحقوقهن الشخصية، رغم أنه شخصيا ضد النقاب. قلت في مقام سابق إن التدخل في زي النساء هو ذات السلوك 'الطالباني' معكوسا.. ذلك أن الذي يفرض علي النساء كشف وجوههن لا يختلف كثيرا عن الذي يجبرهن علي تغطية الوجوه، هي عقلية واحدة تعمد إلي الإكراه وتتدخل في خصوصيات النساء، في أفغانستان انحازوا إلي الستر وعاقبوا من خالفت الأمر، وفي فرنسا أصروا علي الكشف، وفرضوا عقوبة علي كل من تجرأت علي الستر.. وربما كانوا في أفغانستان أرحم نسبيا، لأنهم لم يعاقبوا غير الأفغانيات إذا ظهرن سافرات الوجه، لكنهم في فرنسا لم يسمحوا حتي للسائحات المسلمات بالظهور بنقابهن في الأماكن العامة. يقولون في فرنسا إن النقاب ينتهك التقاليد الجمهورية، ولم أفهم ما علاقة الجمهورية بستر الوجه أو كشفه، ثم إن احترام التقاليد يكون باحترام القواعد المنظمة لها والسلوكيات المعبرة عنها.. ولم يقل أحد إن التعبير عن الولاء للجمهورية يقاس بمقدار ما هو مكشوف من جسم المرأة، أو أنه يستلزم إهدار تقاليد الآخرين وطمس هوياتهم. أفهم أن يعتز الفرنسيون بثقافتهم وهويتهم وبدفاعهم عن قيم الحرية والإخاء والمساواة.. ولابد أن نشهد بأنهم حققوا نجاحات مشهودة علي تلك الأصعدة.. إلا أننا لا نستطيع أن ننسي أن منهم من اعتبر يوما ما أن ميثاق حقوق الإنسان لا ينطبق علي شعوب العالم الثالث الملونة، ولا نستطيع أن نتجاهل أن العلمانية الفرنسية - بعكس الإنجليزية - مخاصمة تاريخيا للدين ومعادية له.. كما لا نستطيع أن ننكر أنهم رسبوا في اختبار احترامهم للتعددية الثقافية.. بالنسبة للمسلمين علي الأقل.. الأمر الذي يدعونا إلي التساؤل: لماذا يكرهوننا.. وهل يرجع ذلك إلي خطأ فيهم فقط، أم خطأ فينا أيضا.. أعني هل أنهم يستعلون علينا فقط معتبرين أن المسلمين مخلوقات من الدرجة الثانية، أم أن واقع المسلمين لا يبعث أيضا علي الاحترام؟.