د.عمرو عبدالسمىع علي الرغم من النجاحات التي يحققها »مين رومني« (حاكم ماساتشوستس السابق في الولاياتالمتحدة) وآخرها كان في يوم الثلاثاء الكبير الاسبوع الفائت ضمن سباق الانتخابات الأولية في الحزب الجمهوري فإن الطريق مازال طويلا أمامه ولم يحقق بعد سوي 101 من إجمالي 4411 نقطة يتحتم عليه الفوز بها كيما يضمن ترشحه عن الحزب الجمهوري. ولكن الملف الذي يدفعني إلي التوقف أمام اسم رومني الآن هو انتماؤه إلي طائفة »المورمون« وهو ما ذكرت عرضا في مقال الاسبوع الماضي عند إشارتي للعلاقة بين رومني وجماعة المورمون ذات الصلة ببعض شبابنا الذين ذهبوا للتدرب علي برامج متنوعة في جامعات أمريكية ينتشر فيها أفراد تلك الطائفة، ثم عادوا ليبيتوا جزءا عضويا من الحراك المصري الحالي. وكان مسبب ايماءتي لكون مين رومني أحد مبشري المورمونية هو رغبتي في الحديث عن الطريقة الذكية جدا التي يتبعها إعلام الحملات السياسية في تسويق جزء معين من شخصية المرشح يؤدي إلي دعم فرصه في تحقيق فوز أو آخر علي المستوي المحلي، والتأثير في أجزاء معينة من العالم حيث المصالح الأمريكية الاستراتيجية. »المورمونية« هي عقيدة (خرجت من عباءة الكاثوليكية) وانتشرت في بعض الولاياتالمتحدة، وبالذات »يوتا« (06٪ من سكان الولاية) علي يد جوزيف سميث في القرن 91، ولا يتوقف عضو هذه الطائفة عن التبشير بها حتي يموت، ولها عدة أبعاد أخلاقية منها عدم تناول الكحوليات، وتحريم الزنا والشذوذ والإجهاض، وعدم تناول الشاي والقهوة، والصيام ليومين في الأسبوع، وتعدد الزوجات، وقد تخلي المورمون عن إعلان الالتزام به لتسهيل الانضمام إلي الاتحاد الفيدرالي الأمريكي، كما تدعو المورمونية إلي الزواج المبكر.. ويقدم المورمونيون صيغا خيرية كبري مثل انشائهم منطقة »وولفر سكوير« وهي تنتج المعونات الغذائية التي يقدمونها إلي المناطق المحتاجة والمنكوبة حول العالم مثل العراق وأثيوبيا. هذا الملمح الخيري والأخلاقي مبهر ولاشك، كما ان بعض مبادئ »المورمونية« التي تشبه الإسلام تؤدي إلي ترويج اسم رومني في المناطق ذات الأغلبية العربية والمسلمة في الولاياتالمتحدة مثل ميتشجان وديترويت وغيرهما. من جهة أخري فإن تلميع اسم المورمونيين »عالميا وشرق أوسطيا بالذات« يبدو سهلا تحت تأثير الدور الخيري والاجتماعي الكبير للمساعدات الإنسانية التي تقدمها تلك الطائفة لمناطق منكوبة أو محتاجة. السطور السابقات كانت لإيضاح السمات الأساسية للمورمونية، ولكن ذلك كان في سياق نزوع بعض الحملات الإعلامية/ السياسية لتسليط الضوء علي جوانب في شخصية مرشح بعينه حتي يتسني قبوله لدي الكتلة التصويتية، وفي حالة »المورمونية« فإن ذلك التشابه يروج لا مراء في المجتمعات الإسلامية داخل وخارج الولاياتالمتحدة، علي الرغم من أن المورمونيين ينطبق عليهم بالنسبة لنا ما ينطبق علي النصاري »هم كاثوليك« لأنهم لا يشهدون بأن المصطفي عليه الصلاة والسلام رسول الله، وعلي الرغم مرة أخري من أنهم »في بعض القراءات« قريبون إلي معني التوحيد، وإن كانوا يطمسون ذلك الملمح وفقا لفقهاء إسلاميين لأسباب عديدة بينها مقتضيات الامتزاج الفيدرالي بينهم والولاياتالمتحدةالأمريكية. التركيز علي ذلك الجانب في شخصية مين رومني يسهل تسويقه عند بعض المجتمعات المحلية الأمريكية، وكذلك في بعض البقاع الكونية وبالذات منطقة الشرق الأوسط، وتذكروا معي الطريقة المدهشة التي تم بها بيع أو ترويج شخصية واسم باراك أوباما، والحرص علي ذيوع اسمه الكامل »باراك حسين أوباما« أو »مبارك حسين أوباما«، والثرثرة المطولة عن أصوله الإسلامية الافريقية التي ألح بها »الحملجية« Campaigners أو مسئولو الحملات الانتخابية علي فكرة أول رئيس أسود لأمريكا والرجل المناسب لعقد مصالحة تاريخية مع العالم الإسلامي بعد الغزو الأمريكي للعراق وفترة إدارة جورج. دبليو. بوش العصيبة.. كان ذلك نوعا من تصنيع الشخصية التي تلائم أدوارا معينة منوطة بها، ولكن في اللحظة المناسبة يكتشف أولئك الذين انخدعوا في السلعة السياسية التي يتم ترويجها (أوباما أو غيره)، أنه في نهاية النهار رئيس للولايات المتحدةالأمريكية وينفذ استراتيجيات أمنها القومي حرفيا.. نقول هذا مشيرين إلي عملية تخليق شخصية مين رومني بالتركيز علي جوانبها الأخلاقية المورمونية لخلق طلب سياسي عليها في مجتمعات معينة محليا ودوليا بحيث تروج عند العرب والمسلمين »6 ملايين في الولاياتالمتحدة متركزين في مناطق بعينها محليا« وكذلك في منطقة الشرق الأوسط كونيا، وذلك بعد الأدوار التي لعبتها واشنطن مؤخرا في منطقتنا، حين ألقت بشباكها علي التيارات الإسلامية، بعدما ادركت أنهم قادمون صاعدون، فقررت التخلي عن التيارات الليبرالية واليسارية التي حظيت تقليديا بمساندتها، وانحازت قطعيا إلي الإسلاميين، وبهذه المعاني فإن دورا أمريكيا متطوراً بعد الثورة العربية، يقتضي تصنيع رؤساء أمريكيين يعلو البعد الأخلاقي في شخصياتهم بالضبط مثلما كان جيمي كارتر. علي أية حال فإن رومني رومني »الجمهوري« بعد المعادل الموضوعي لمكونات باراك »الديمقراطي« التي جري شيوعها علي نحو كبير.. كما ان نيوت جينجريتش »أحد غلاة المحافظين الجدد« هو المرشح الجمهوري المعادل لشخصية رونالد ريجان، أو جورج. دبليو. بوش وتعصبهما ضد العرب والمسلمين. نهايته.. لفتني عدد من الشباب المصريين الملتحمين بجسم الثورة وبالحراك السياسي الحالي، والذين راحوا يتحدثون عن أنهم تلقوا برامج تدريب في بعض الجامعات الأمريكية التي ينتشر بها المورمونيون، وتعاونوا مع مؤسسة إدوارد مورو لتدريب الصحفيين والإعلاميين، من المعروف ان الطبيعة التبشيرية التي تعمل بها العقيدة المارمونية أدت إلي زيادة أعداد المؤمنين بتلك العقيدة إلي 07 مليون نسمة عبر تنظيم عنقودي حول العالم يشمل حلقات متصلة/ منفصلة من المؤسسات الكنسية مثل مجلس الرؤساء ومجلس السبعين، ومجلس الكنيسة العالمي، وتدريب الإعلاميين والصحفيين الشرق أوسطيين يعني تسهيل التعاون مع المارمونية، وترويج الشخصيات السياسية الأمريكية التي ترتبط بها. وإلي كل الذين يرون في ذلك الربط سيناريو بعيدا جدا، نكرر عليهم أننا لطالما أشرنا إلي نظريات أكثر تعقيدا أو بعداً وثبتت صحتها (حين كنا نكتب من واشنطن عن خطورة المحافظين الجدد فيما كان البعض يقولون انهم مقتنعون بأن جورج بوش سوف يساندنا لأن أباه صديقنا وحاربنا معه في الكويت) .. وإلي كل الذين يتحدثون عن أن منطقتنا ليست بكل تلك الأهمية (كي يخطط الأمريكيون للنفاذ إليها بكل ذلك الانهماك) أقول إن نظرة واحدة علي فترة رئاسة باراك الأولي تخبرنا ان الشرق الأوسط يكاد يكون مسرح العمليات الأول للعلاقات الأمريكية الدولية وهو ما يحتاج إلي حشد أدوات النفاذ عند المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين إلي ذلك الإقليم، والتي كان أحدها إسلامية عائلة أوباما، والتي ربما يكون أحدها مورمونية مين رومني.. ولذا لزم التنويه.