أحمد الجمال من المؤكد أن الإجراء الذي اتخذه حزب النور تجاه نائبه البرلماني البلكيمي، رفع أسهم الحزب وأعطاه مصداقية بدرجة أو أخري، ومن المؤكد أيضا أن القضية بتفاصيلها تدعونا لوقفة متأنية متأملة.. بعيدا عن اتخاذ الواقعة مادة للفكاهة السوداء، رغم أنها تستحق ويمكن أن تتحول إلي عمل درامي متكامل. لقد ذهب النائب إلي المستشفي لتجميل أنفه، ولعلمه أن حزبه يرفض هذا السلوك اضطر لتجميل الواقعة، فادعي زورا أنه تعرض لعدوان، ولأن قليل البخت منحوس منحوس ولو علقوا علي راسه فانوس، فإن الأطباء الذين أجروا الجراحة سارعوا إلي كشف ما حدث، الأمر الذي أنهي وجود النائب في الحزب وفي البرلمان معا! تعالوا نفصص المسألة لنكتشف أن التشدد يؤدي إلي التحايل، والتحايل يؤدي إلي الكذب، والكذب يخرج المرء من دائرة الإيمان، حيث تواتر أن أحدهم سأل الرسول "صلي الله عليه وسلم": أيسرق المؤمن فأجاب بنعم يسرق، فسئل أيزني المؤمن فأجاب بنعم يزني، فسئل أيكذب المؤمن فأجاب لا.. لا يكذب، أو ما معناه. ثم نكتشف أن التشدد ومغالبة الدين الذي هو سمح، يؤدي إلي إهدار كل الاعتبارات المعتبرة في مجالات الفقه، والحقائق العلمية، ذلك أنه كان هناك العديد من الأسباب التي تتيح لصاحب الشأن فعل ما فعله دون أن يظن أنه آثم... من الأسباب مثلا أن شكل أنفه يؤثر علي وظيفته ضمن وظائف الجهاز التنفسي، أو أن شكل أنفه قد سبب له ألما نفسيا أزمن واستفحل منذ كان صغيرا، والآخرون يضايقونه بالسخرية من شكله سواء في أسرته أو في مدرسته أو في عمله أو حتي في الشارع والمواصلات، وربما كان الضيق من مجرد نظرة الاندهاش أو العجب أو السخرية الصامتة التي تعلو وجوه من يرونه دون أن يتكلموا، وربما كان شكل الأنف حائلا يحول بينه وبين تجديد شبابه بارتباط زوجي شرعي.. إلي آخره، وقد استمر هذا الألم النفسي ليشكل عقدة مستحكمة، وكان عليه مضطرا أن يجري الجراحة ليتعافي من هذا المرض النفسي الذي لا يعرف ويلاته إلا من كابده وأصيب به. ومن هذا الباب العلمي تنفتح عدة أبواب فقهية تتيح له أن يفعل ما فعل دون حرج.. إذ ليس علي المريض حرج وهذا أولا، ثم إن الضرورات تبيح المحظورات بفرض أن التدخل الجراحي لإصلاح خلل عضوي ما أمر محظور، ثم إن من اضطر غير باغ فلا إثم عليه، ناهيك عن أن درء المفسدة مقدم علي جلب المصلحة ولا شيء أكثر فسادا من استمرار مرض نفسي يستثير شفقة الآخرين وسخريتهم!!.. والكلام في هذا المجال ثري ومفيد.. وهو دليل علي عظمة الفقه الإسلامي. غير أن ما يوازي ذلك كله في الأهمية هو أن الرجل لم يفارق منهج حزبه في قليل أو كثير.. فالحزب مهتم حتي العظم بمسائل الشكل، ويعتبرها متممة إن لم تكن سابقة علي المضمون.. فاللحية الطويلة والشارب الحليق تماما، والهيئة المعينة في الملبس سمات للشكل لا يتخلون عنها.. ثم إن فهمهم للشريعة يقف كثيرا عند الظاهر ولا يلتفت إلا قليلا للمقاصد والأهداف، وربما يتم رفض تأويل النص إلي غير ظاهر معناه!.. وفي هذا كله أود الإشارة إلي مقال شديد الأهمية كتبه الأستاذ الدكتور علي مبروك في الأهرام منذ عدة أسابيع، يتعرض فيه لتفسير الحديث النبوي الذي معناه بعث الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبي للغرباء. ويذهب الدكتور مبروك أنه في صدر الإسلام أيام الرسول [حدث أن سمح للمسلمين إنكار إسلامهم بألسنتهم والحفاظ عليه مستقرا في قلوبهم ووجدانهم وضمائرهم اتقاء لشر العذاب الذي مارسه مشركو قريش علي المسلمين، وهنا كانت الغربة الأولي، أما الغربة الثانية التي تحدث الآن فهي أن المسلمين يشيع فيهم التمسك بالشكل وإعلانه واضحا باللحي والشوارب والملابس، بينما بقي مخلخلا في قلوبهم ضعيفا في وجدانهم غائبا عن ضمائرهم! لقد مارس أخونا النائب المسلم منهج الاهتمام بالشكل فأراد إصلاح اعوجاج أنفه، ولكن حظه التعس جعل حزبه يكسر أنفه بعزله من البرلمان والحزب معا.. وياويل أمة توقعها القشور في الكبائر ويا حزني علي أجيال ستدمن الكذب سبيلا للهرب.