لاجديد في المشهد السياسي، فما يجري في شوارع القاهرة وبعض المحافظات من اعتصامات أو اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن تكرر كثيرا خلال عام مضي، لكن أحدا ممن يتصدون لإدارة الحياة السياسية لايستوعب أو لا يرغب في استيعاب مايجري، ولأن كل تجمع للمتظاهرين لابد له من شرارة. فقد جاءت شرارة تلك التظاهرات من بورسعيد بعد المجزرة التي جرت هناك وراح ضحيتها 75 مواطنا، فكانت الغضبة الشعبية الشديدة تجاه ماجري، لكن جاء الأداء السياسي للقوي السياسية والمجالس الثلاث (العسكري والوزراء والبرلمان) دون مستوي الحدث ويمكننا تفصيل ذلك علي النحو التالي: 1-المجلس العسكري:بصفته الإدارة السياسية التي تدير البلاد منذ تنحي الرئيس مبارك، تعامل مع الأزمة عبر إعلان الحداد ثلاثة أيام وأرسل طائرتين حربيتين لنقل لاعبي الأهلي للقاهرة ثم خرجت تصريحات للمشير طنطاوي وكذلك بعض الرسائل للمجلس علي الفيس بوك ودمتم، هذا أقصي مافعله المجلس رغم أننا كنا نريد (لا أقول نتوقع) أداء مختلفا هذه المرة (لا أعرف لماذا) علي الأقل ليؤكد المجلس أنه تعلم فن ممارسة الحكم بعد بقائه مدة عام في السلطة، لكن أداء المجلس ورد فعله لم يكشف أن جديدا قد جري داخله. كان بإمكان المجلس مثلا أن يسافر بعض أعضائه الي بورسعيد فور وقوع المجزرة للمتابعة من أرض ستاد بورسعيد، ويصطحب معه وفدا يضم رئيس الحكومة د.كمال الجنزوري ورئيس مجلس الشعب د.سعد الكتاتني مع تشكيل غرفة ادارة إزمات في قلب بورسعيد، ويعين متحدثا يخرج علي الرأي العام ببيانات متتابعة، تشرح وتقدم وتفسر وتعلن ماجري اتخاذه من قرارات، لكن شيئا من هذا لم يحدث ولانتوقع حدوثه، فتلك هي السياسة التقليدية في إدارة أزمات في مصر منذ زمن طويل وليس العام الماضي فقط. 2-الحكومة:عندما تولي الدكتور كمال الجنزوري رئاسة الوزراء، فإنه قد أعلن في مؤتمر صحفي أنه يتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية كاملة باستثناء القضاء والجيش أي أننا يجب أن نتعامل مع د.الجنزوري كرئيس للجمهورية لكن الرجل لم يتعامل منذ توليه مهام منصبه بصلاحيات رئيس الجمهورية بل لايزال يتصرف كرئيس وزراء وأحيانا كرئيس للمجموعة الوزارية الاقتصادية، مثال:د.الجنزوري لم (يختر) العشرة المعينين في مجلس الشعب، كما أنه لم يظهر عندما وقعت احداث ضخمة استوجبت ظهوره، وآخرها ماجري في بورسعيد، فما فعله رئيس الوزراء هو انتقاله الي مجلس الشعب في اليوم التالي للمجزرة وألقي بيانا لم يشف الغليل ولم يقنع النواب، رغم أننا نتعامل مع رجل سياسي محنك له باع في السلطة والمؤكد أنه قد تعرض لمثل تلك المواقف الصعبة ويعرف كيف يخاطب الرأي العام، لكن الجنزوري وحكومته اختفيا بعد بيانه في مجلس الشعب ولم يظهر مثلا طوال الجمعة الماضية رغم سخونة المشهد وتأزمه في محيط وزارة الداخلية وبقية مدن الجمهورية، واكتفي في هذا اليوم ببيان وزعه مكتبه علي وسائل الإعلام يناشد خلاله عقلاء الأمة (لا أعرف أسماء هؤلاء العقلاء) والقوي السياسية بتهدئة المتظاهرين، وكفي الله المؤمنين القتال. لم يدر بخلد الدكتور الجنزوري أن تلك الازمة الخطيرة تتطلب دواء مختلفا مثل اعلان حكومته عن خطة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة ثم يتقدم للبرلمان بتلك الخطة المصحوبة بتوقيتات زمنية محددة فيعتمدها البرلمان بعد مناقشتها ثم يجري العمل بها في اليوم التالي لاعتمادها، أو أن يعلن د.الجنزوري عن تشكيل غرفة ادارة أزمة لمتابعة مايجري، أو يفاجئنا رئيس الوزراء بالسفر الي بورسعيد حتي يتأكد كل بيت مصري أن أداء رئيس الحكومة قد تغير فعلا بعد الثورة، شيئا من هذا كله لم نجده ولانعتقد أنه سيجري. 3- مجلس الشعب: حرص نواب البرلمان ورئيسه في كل تصريح خارج القبة أو تحتها بالتأكيد علي أنه برلمان الثورة وأن شرعية البرلمان تجب شرعية ميدان التحرير (واذا تركنا هذا الجدل السياسي الذي لايقدم أو يؤخر) فإن السؤال هو:كيف تعامل برلمان الثورة مع مجزرة بورسعيد؟. وجدناه يعقد جلسة ساخنة في اليوم التالي للواقعة تحدث فيها من شاء من النواب وقالوا كل ما في نفسهم وزيادة، وهذا كان مطلوبا لتهدئة الشارع، لكن الأزمات لاتدار بالكلمات فقط بل بالأفعال، فماذا أسفرت تلك الجلسة الساخنة سوي عن تشكيل لجنة تقصي حقائق (كأن فتحي سرور قد عاد للبرلمان ثانية) كما جري توجيه اللوم لوزير الداخلية (شكرا علي هذا القرار الضخم) ثم أعلن البرلمان عقب جلسة هذا اليوم (الخميس) أنه في حالة انعقاد دائم، اعتقدنا أنه سيواصل جلساته لكننا فوجئنا أن المجلس سيجتمع في يوم الاثنين القادم (اليوم) أي أن البرلمان في إجازة ثلاثة أيام متصلة (الجمعة والسبت والأحد) بينما الأحداث مشتعلة في القاهرة والاسكندرية والسويس، وكل مافعله المجلس هو فتح أبوابه لعقد اجتماع لبعض اللجان السبت الماضي، كنا نتوقع أن يلزم البرلمان الحكومة بالإسراع بإعادة هيكلة وزارة الداخلية وتطهيرها فورا من رجال العادلي. سوء إدارة الأزمات من قبل السلطات الثلاث يكشف بعمق جوهر الأزمة التي تعيشها مصر الآن، فعندما تختفي الرؤية والإرادة السياسية، علينا توقع هذا الأداء.