ولأنه وكما يبدو.. أن الشعب المصري قد تجرأ بعد طول صبر ، وقام بثورته، ولأنه استمات من أجل الدفاع عنها، ولأن شباب ثورته ازدادوا عندا وإصرارا علي المضي في طريقهم من أجلها، والتضحية بالنفس من أجل تحقيق أهدافها، ولأن أهل مصرالشرفاء بكل أطيافهم قد تمادوا في الدفاع عن حقوقهم في لقمة العيش والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، فقد كان لزاما عليهم أن يتحملوا تأديبهم علي سلوكهم في التجرؤ علي القيام بهذه الثورة، وأن يتحملوا أشد أنواع العقاب والعذاب الجسدي والنفسي والحرمان الاقتصادي حتي يعودوا عن ثورتهم، ويركعوا ويقسموا علي التوبة عنها! ولأنه أيضا لم يكن في حسبان قوي الظلام التي حكمت هذا الشعب الصابر لعقود، أنه سوف يأتي يوم شيثور فيه هؤلاء المواطنون المسالمون، ويخرجون عليهم كمارد جبار يطيح بهم من عليائهم، ويتمرد علي قهرهم وطغيانهم ، ويفضح فسادهم، لذا فقد ارتبكت صفوف الطغاة المخلوعين عن سدة الحكم والاستبداد في البداية، وانشقت فلولهم ، وتمت الإطاحة بنظامهم، وسقط زعيمهم الأكبر وشيطانهم الأوحد، وتلبستهم روح الخوف، بعد أن مادت أرض الفساد تحت أقدامهم، فسارعوا للاختباء في شقوق الظلام أملا في النجاة.. ولكن ومع سلمية الثورة، وسماحة الثوار ، ونبل أهل الوطن الثائرين.. اكتشفوا أن بمقدرتهم الإفلات من العقاب، بل والأكثر الالتفاف حول الثورة الشريفة ذاتها، والانقلاب علي أصحابها وانتزاع النصر من بين أيديهم! ولكن.. كان السؤال كيف ؟ أما الإجابة.. فقد كانت سريعة وقاطعة وحاضرة ومتمثلة في أطروحة واحدة.. هي استدعاء اللهو الخفي، والزج به لإعادة إنتاج النظام السابق، وتجنيد شبكة معاونيه المستفيدين، وتمويل أجهزتهم المنوط بها الردع والقمع، وتشديد آليات الترهيب ، ودعم أبواق الدعاية، ونشر خطط الترويع والتجويع والتركيع لهذا الشعب الذي اجترأ علي الخروج علي الأمر ودعا للنهي عن المنكر! وهكذا.. وعلي مدي أكثر من عام بدأ أصحاب اليد الخفية اللعب علي خشبة مسرح المشهد السياسي المصري.. وبدأوا في تحريك دُمي »اللهو الخفي« في كل صوب وحدب ليرهبوا الشعب الثائر، ويوهموه بأنه قد فتحت عليه كل أسباب العذاب، وأنه قد خرجت عليه يأجوج ومأجوج، وأنه مقضي علي ثورته وأن أحلامه بالعيش النبيل والسلام المأمول إلي أفول! هكذا خرجت علينا شياطين الإنس يدا في يد مع شياطين الشر يتوعدوننا في كل مكان، من شارع إلي ضاحية، ومن مدينة إلي قرية، ومن جامع إلي كنيسة، ومن مستشفي إلي ملعب، ومن اقتصاد إلي بنوك، ومن صناعة إلي تجارة، ومن صحيفة إلي فضائية، ومن بيت إلي محراب علم ، خرجوا علينا ينفثون سمومهم، ويشعلون نيران فتنتهم، ويكيلون لنا ألوان ترهيبهم، ويلقون علينا نفاياتهم، ويستبيحون إنسانية وكرامة وأعراض أبنائنا وبناتنا، ويستهينون بحرمة أدياننا، ويروعون أطفالنا، ويسرقون شيوخنا، ويغتصبون نساءنا، ويبثون علينا ليل نهار من فضائياتهم وصحفهم من يطفئ نار مقاومتنا، ويهيل التراب علي نقاء ثورتنا ، ويهزم معنوياتنا، ثم إنهم بيتوا لنا المزيد والمزيد من نيات الترويع.. فأشعلوا النيران في بلدنا واقتحموا المقار ونهبوا الأموال وقتلوا الأنفس وجلسوا علي أبواب الخراب الذي اصطنعوه ينتظرون استسلامنا وتسليمنا.. حتي إذا تجلت - إرادة الله القادر المقتدر الجبار- وفشلوا ونجحت إرادتنا، وخابوا وتحققت قدرتنا، وانهزموا وانتصرت حريتنا، وهانحن نعدهم أننا سنظل- بإذن الله- ثائرين من أجل حقوقنا، صامدين من أجل أجيالنا، حارسين لثورتنا، مضحين بأنفسنا في سبيل بلدنا، ومصرين علي أهدافنا، وأن الله هو المستعان عليهم ، واننا بإرادته لمنتصرون. مسك الكلام : ياأيها اللهو الخفي .. كل الشعب المصري يعرف ماالذي تُريد.. ومن الأصابع الخفية التي تحركك، وسوف نقطع غدا اليد التي تُسيرك وتُمولك وتحرُسك وتُباركك.. فصبرا آل مصر.