صباح آخر، بعشرات الجرحى، وشهداء جدد، وأحزان سدى. هل كنا بحاجة إلى موتك أنت أيضا أيها الصديق الطيب؟ ألا يكفى ما لدينا من الشهداء؟ وأنت الآن هناك، من عَلٍ، هل ترى وتعلم ما يخفى علينا؟ هل تعرف -مثلا- فيم يفكر الآن رئيس الوزراء؟ فيم يفكر منذ الأمس؟ هل يجلس مثلنا ويتأمل صور القتلى ويفكر أن أحد أبنائه أو أحفاده كان يمكن أن يكون هذا القتيل؟ هل يرى دما على يديه أم يعتقد أن ما حدث كان ضروريا لأن هؤلاء المعتصمين مخربون مأجورون يجب استئصالهم؟ أم تراه يعزى نفسه بأنهم ضحايا عن غير قصد، قتل خطأ، مثل التدافع فى استاد مكتظ؟ أم أنه لا يفكر فى أى من هذا، ويسأل نفسه عن أثر هذه «الحادثة» على مستقبل حكومته؟ هل تعرف أيها الشهيد إن كان رئيس الوزراء سعيدا الآن بسلطاته «الدستورية» أم يندم عليها؟ هل يشعر بأنه يمسك بزمام الأمن ويصدر الأوامر فيطاع أم أن الأمن يمسك بزمامه فيطيع؟ هل هو سعيد بخطته فى «إعادة الأمن»؟ أفخور هو بإنجاز حكومته الجديدة؟ أم أنه يشعر بالعجز، والحصار، وأنه قد ترك نفسه تضل على آخر الزمن، ولوث اسمه إلى الأبد بالدم؟ يا أيها الشهيد، هل ترى من عَلٍ قادة «القوى الخفية» -هؤلاء الذين يقتلون إخوانهم البشر ويسومونهم صفوف العذاب؟ لا أتحدث طبعا عن رجال الداخلية الشرفاء، أو لا سمح الله عن جنودنا البواسل وقياداتهم الحكيمة، فهؤلاء وهؤلاء لا يوجهون بنادقهم أبدا إلى صدر المواطنين. فهل ترى أيها الشهيد وجه القتلة؟ هؤلاء الذين قادوا عمليات القتل فى شارع محمد محمود، وفى ماسبيرو، وفى ميدان التحرير، والجيزة والإسكندرية والسويس وغيرها من مدن مصر؟ وهل فهمت الآن أيها الشهيد فيم يفكر قادة القوى الخفية؟ أيعلمون أنهم يحفرون هوة عميقة بينهم وبين الشعب ويدمرون ما بقى من فرص لمصالحة الجانبين؟ هل يفهمون أنهم يدمرون فرصهم فى المستقبل، هم ومن يمثلونهم؟ أم يتصورون أنهم سيفلتون بأفعالهم هذه وسينسى الناس بعد قليل؟ وهل سينسى الناس فعلا دمَك، وصورتَك؟ هل سيشاهد الناس صورتك وصور جنود «القوى الخفية» المتنكرين فى هيئة عسكريين وشرطيين وهم يقتلونك ثم ينحّونك جانبا ويمضون؟ وهل سيخفون هذه الصور كى يمحوا ذكراك وذكرى ما حدث؟ أتكون القوى الخفية على حق وينجح هذا العبث الدامى فى إعادة الأيام الخوالى وإدخال الناس فى الجحور التى خرجوا منها؟ أم أنهم مخطئون فى الحساب وما يفعلونه الآن للانتحار الجماعى أقرب منه لاستعادة السيطرة؟ هل تعرف يا أيها الشهيد إن كان أحد قادة القوى الخفية يفكر فى هذا؟ وإن كان قد فكر، فهل جرؤ على التعبير عن شكوكه لرؤسائه أم ابتلع الشك ووافقهم مومئا؟ صباح جديد، صرت أنت فيه شهيدا هذه المرة. ففيم فكرت، فى لحظتك الأخيرة؟ صباح جديد وأحزان سدى. لا أريد مزيدا من الشهداء والضحايا. لدينا ما يكفينا ويزيد، من ثورة القاهرة الأولى وحتى ثورتها الأخيرة. أليس من المحزن أن تموت أنت، أنت المستعد للتضحية من أجل غيرك، فى حين يحيا هؤلاء المستعدون للقتل كى يبقوا سيطرتهم على غيرهم؟ لا أريد صباح شهداء آخر. أريدك صديقا طيبا، حيا، ومبتسما. أريدك حيا، من أجلك ومن أجلنا. ألم يمكنك أن تدخر موتك، ولو قليلا، لشىء آخر، ربما، أقل عبثا من طلقات القوى الخفية؟ هل كان من العيب أن تتحلى، أيها الشهيد الجاهز دوما للتضحية، ببعض التروى، من أجلنا؟ رحمة الله عليك، وعلينا، وعلى قتلتك الأشاوس.