بالنسبة لي، فإن قضية محاكمة مبارك قد انتهت يوم بدأت. فالقيمة الوحيدة للمحاكمة كانت في مشهد سقوط الفرعون، وفي مثول الرجل الذي حكم مصر ثلاثين عاماً أمام المحكمة متهماً بقتل شعبه. الأمر بعد ذلك تحول إلي ما يشبه المسرحية الفاشلة.. خناقات بعض المحامين للظهور التليفزيوني قبل منع البث التليفزيوني للمحاكمة.. رد المحكمة وتعطيل الجلسات.. تأكيد النيابة علي أن الجهات المسئولة عن إمدادها بالمعلومات لم تفعل ذلك.. شهادات لشهود ماشافوش حاجة.. وأخيراً الفاصل الكوميدي الذي يقدمه المحامي الديب بهدف خلط الأوراق وتوزيع المسئولية عن دماء الشهداء لتضيع بين الجميع وينجو الفاعلون الحقيقيون بجريمتهم! منذ البداية كان المطلوب محاكمة أخري أشمل وأوسع.. محاكمة لا تقتصر علي جرائم بضعة أيام أثناء الثورة، ولا شراء فيلل بسعر أرخص، ولا تربح أركان النظام من مناصبهم ببضعة ملايين أو فدادين من الأرض. كان المطلوب - ولايزال - محاكمة لنظام سابق بكل رموزه ومسئوليه محاكمة لاتستهدف الانتقام، ولكن أن تعرف ماذا جري؟ وكيف تم نهب الدولة وافقار الناس؟ وكيف انتشر الفساد حتي أصبح هو الحاكم الفعلي؟ وكيف تدهور كل شيء في مصر بهذه الصورة المفزعة التي سنظل نعاني ويلاتها لسنوات طويلة قادمة. كان المطلوب ولايزال أن توضع كل الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظام السابق (بكل أركانه ومسئوليه والمستفيدين منه) أمام محكمة خاصة تتوافر لها كل شروط الاستقلال وتوضع أمامها كل الإمكانيات لتحقق العدالة السريعة، وتأخذ القصاص من القتلة، وتستعيد الاموال المنهوبة، وتمنع الذين أفسدوا كل شيء في مصر من النشاط السياسي كما يحدث في كل ثوارت الدنيا. بعد عام من الثورة نجد أن الوحيد الذي أدين (غيابياً!!) في جرائم قتل الثوار هو أمين الشرطة »السني« الذي تعاد محاكمته الآن.. بينما يحاكم كبار المسئولين عن جرائم صغيرة، ويمارس الدفاع عن الرئيس السابق كل الحيل و الأكروبات القانونية وغير القانونية لإبعاد المحاكمة عن مسارها. ولا يتورع عن اتهام الجيش بالمسئولية عما وقع في أيام الثورة! ويطلب الآن المحاكمة العسكرية التي كانت مرفوضة قبل ذلك! ثم يبالغ في محاولات »الغلوشة« علي القضية فيقيم دعوي قضائية باسم مبارك ضد »الأخبار« ورئيس تحريرها الزميل ياسر رزق لأنه أشار إلي أن تعطيل المحاكمة يعطي الرئيس السابق الحق في ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة القادمة (!!).. وهو ما ينطبق أيضا علي أركان النظام السابق، وعلي المتهمين بقتل الثوار الذين تم الإفراج عنهم بكفالة!! ليس هذا هو طريق الثوارت. لا أحد يطلب الانتقام بل العدل والحساب علي ما وقع في حق الوطن، ويشل يد القوي المضادة وأخذ حقوق الشهداء. وبعدها تظهر الثورة وجهها الرحيم بعد أن تزيح من طريقها آثار ثلاثين عاماً من الفساد!