لم يكن عصام شرف هو المسئول الذي ينتظر ثوار ميدان التحرير الاستماع الي كلمته التليفزيونية لأنه ببساطة لم يكن الجهة التي بعثت اليها مليونية الجمعة الماضية رسالتها. فالرسالة التي حملت مطالب الثوار كانت موجهة الي المجلس العسكري بصفته السلطة التي تدير البلاد..لذا انتظر الملايين أن يأتي الرد سريعا علي لسان المشير حسين طنطاوي لا أحد غيره..وعندما نقول المشير فليس بصفته العسكرية بل بصفته حاكم مصر الآن الذي بيده كل السلطات بعد حل البرلمان بمجلسيه وبعد أداء الوزراء اليمين القانونية أمامه. لا أري أن الوقت قد فات فأمام المشير طنطاوي الفرصة ليخرج علي الناس ويقول لهم مايريدون سماعه لا مايقوله مستشارو المجلس العسكري..ولن يقبل معتصمو ميادين مصر كلها مادون المشير..فقد نزلوا للميدان وتوحدت مطالبهم وتركوا خلافاتهم واختلافاتهم جانبا بعد أن هالهم وأفزعهم ماجري لثورتهم العظيمة من التفاف ثعباني كريه بهدف افراغها من أهدافها حتي تبدو في صورة انتفاضة وليس ثورة شعبية. الثورة تطهير في كل المواقع وهدم نظام الحكم بأكمله ثم بناء نظام جديد بينما انتفاضة الشوارع فغايتها الاصلاح والترقيع وهو مايجري في مصر منذ 11فبراير وحتي الآن..لذا عاد المصريون ثانية الي ميدان التحرير ولن يغادروه قبل تنفيذ مطالب الثورة. ورغم كل أخطاء الرئيس السابق في التعامل مع ثورة يناير لكنه ومع نزول المصريين ميدان التحرير قبل 11فبراير الماضي فإنه لم يأمر رئيس وزرائه د. نظيف بالظهور علي الناس عبر خطاب يلبي به حدا معقولا من مطالبهم فقد فهم مبارك أنه أمام حدث جلل لذا خرج علي الناس مساء جمعة الغضب. ظني أن صدمة المصريين أمس كانت كبيرة عندما رأوا رئيس الوزراء د.عصام شرف علي الشاشة-مع احترامنا لشخصه- بينما هم ينتظرون حاكم مصر المشير طنطاوي معلنا استجابته لمطالب المصريين أما سياسة التسكين والقص واللزق فلن تفيد في هذا التوقيت..لانريد اصلاحا بل نطلب تطهيرا لذا لن يغادر المعتصمون ميدان التحرير قبل خروج المشير عليهم ليلقي خطابه الأول فلا يجب ان يكون بين رئيس مصر الآن والمصريين وسيط أو حجاب. سؤال:لماذا لم يصدر المجلس العسكري بيانا مساء الجمعة الماضية بعد مليونية الثورة أولا؟.. السؤال الثاني:لماذا لم نسمع صوت أحد أعضاء المجلس العسكري حول مايجري؟.. السؤال الثالث:لماذا لم يعلن المجلس الأعلي موقفه تجاه مطالب الثوار؟. الوقت يمر والتباطؤ في مثل تلك المواقف لايفيد أحدا سواء المجلس العسكري او البلد..ولابد أن يتحدث من بيده السلطة فيما جري..فهل يعقل أن يتم الافراج عن ضباط الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين بالسويس بينما المتهمون في قضايا التسعيرة يجري حبسهم علي ذمة المحاكمة..وهل يعقل أن تضم حكومة شرف 13وزيرا من أعضاء النظام السابق ثم يسمونها حكومة ثورة..ثم ما معني بقاء أكابر الداخلية المتهمين بقتل المتظاهرين في الخدمة حتي الآن.. يحضرون المحاكمات في الصباح ثم يعودون الي مكاتبهم..ثم كيف تجري محاكمة أركان النظام السابق سرا دون أن يري الناس صورهم في الصحف.. ولماذا يجري رص صفوف العساكر والضباط لحجب وزير الداخلية الأسبق عن العيون وبقية المسئولين..وهل هذه هي العلانية التي نص عليها القانون..ثم كيف يطلب رئيس الحكومة تغيير بعض الوزراء ثم يرفض المجلس العسكري..وهل عصام شرف رئيس وزراء مصر بجد..ولماذا يرفض المجلس العسكري الاستجابة لطلبه. لدي الناس شكوك كثيرة حول مايرونه أمام أعينهم ويشعرون بوجود ثمة تواطؤ بين أجهزة الدولة لإخراج رجال النظام السابق من كل تلك القضايا وتحديدا جريمة قتل المتظاهرين..لقد رأيتم غضبة الملايين بعد الافراج عن ضباط السويس فاتقوها..فقد بلغ الغضب الحلقوم ولن يستمر هذا طويلا بعد أن أنذروا وبعثوا الرسالة لمن بيدهم الأمر. ثوار التحرير كفروا بالنخب أيضا فثورة يناير عندما اسقطت نظام مبارك فإنها سلمت السلطة الي المجلس العسكري لإدارة البلاد لفترة انتقالية ريثما تبدأ النخبة المصرية في صياغة النظام الجديد اللائق بمصر وثورتها لكن النخبة المصرية خذلت الثورة والثوار بعد أن تركت الهدف النبيل وتفرغوا لخلافاتهم وصراعاتهم الضيقة..مثل الدستور أولا أم الانتخابات أولا..الغاء الدستور أم تعديله..نعم للاستفتاء أم لا..واكتشف المصريون أن النخبة المثقفة عادت الي المشهد بعد ثورة يناير بأمراضها القديمة المعتادة لذا نزل الثوار للميدان ثانية وارسلوا انذارتهم الثلاثة..الأول للمجلس العسكري والثاني للنخب المصرية والثالث لحكومة شرف. فهل يستوعب من وصلهم الانذار غاية الثوار أم انهم بحاجة لإنذار ثان وأخير ووقتها سيكون كارت أحمر للطرد من الملعب..الكرة الآن في ملعب المجلس العسكري وهو مطالب بالرد فورا علي ميدان التحرير لأن شرعية المجلس حصل عليها من الميدان وليس من مبارك ..فهل سينفذ مطالب الثوار أم سيتصرف ببطء مثلما فعل الرئيس السابق. الأيام القادمة حبلي بكثير من المفاجآت لكنها لن تكون كسابقتها..واذا لم يتدارك المجلس العسكري الموقف ويزنه بميزان دقيق فسوف ندفع جميعا الثمن وهو الفوضي المدمرة.. ومصر وثورتها لايستحقون ذلك.