لقد صدق الإمام الشافعي حينما قال "نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا"، وتكملة لسلسلة تقويم سلوكياتنا المهنية التي تناولتها علي مدار الأسابيع السابقة والتي تعتبر من أحد الأسباب الرئيسية لتدهور الادارة في مصر وسوء علاقات العمل بين الأفراد في مؤسساتنا مما أثر سلبا علي بيئة العمل وعلي إنتاجية الأفراد. أود أن أتطرق إلي سلوك سلبي وشائع للغاية في مجتمعنا وفي سلوكياتنا المهنية وهو عدم الاعتراف بأخطائنا وإلقاء اللوم دائما علي الآخرين عند حدوث أي خطأ أو دائما ما نجعل من الآخرين شماعة نعلق عليها أخطاءنا بشكل قد يصل إلي التحايل أو تلفيق الحقائق بشكل مبالغ ، فلو نجح شاب وأصبح مهندسا فنقول هذا بسبب مجهوده ولو أصبح تاجرا للمخدرات فنقول هذا بسبب مصاحبته لأهل السوء، وللاسف الشديد إن هذا السلوك قد يزداد لدي بعض الافراد مع التدرج بالسلم الوظيفي في مؤسساتنا أو مع زيادة المسئوليات والأعباء المنوطة عليهم بالعمل، الأمر الذي ينتج عنه شعور عام بضعف الثقة بين العاملين وعدم الشعور بالأمان والاحساس الدائم بالظلم والقهر، وغياب القدوة الحسنة مما يؤثر سلبا علي علاقة الأفراد بعضهم ببعض ويخلق شعورا عاما بالتوتر والقلق والاحباط أو عدم الرغبة في الخوض في أي شيء جديد أو إحداث تغيير، فتغتال الابداعات والابتكارات، ويضعف حماسية وانتماء الأفراد للعمل لعدم رغبة البعض في تحمل مسئولية أخطائهم أو أخطأ غيرهم. ولقد شهدت مواقف عديدة في مواقع مختلفة لمشاهد تعبر عن هذه الثقافة المجتمعية، فنسمع عن مدير يحاول فرض مشروع معين علي مرءوسيه في ظروف لا تسمح بذلك لينفذه من خلال إدارته، وبالرغم من عدم اقتناع المرءوس ومحاولته المستميتة لإقناع الرئيس بعدم الخوض بهذا المشروع في الوقت الحالي، إلا إن المرءوس يضطر للخضوع لفكرة المشروع بعد مقاومة منه ومقاومة العاملين معه للفكرة، وما أن حدث خطأ غير متوقع أثناء العمل بالمشروع نتيجة عدم ملاءمة الظروف لتنفيذه علي أرض الواقع وقتها مثلما توقع المرءوس، مما أسفر عن بعض الخسائر للشركة حتي تنصل الرئيس تماما من هذا الخطأ بإلقاء اللوم علي أداء المرءوس والعاملين معه أو الأسلوب المتبع في معالجة الأمور بالرغم من إجماع المحيطين بالادارات المختلفة بأن الخطأ ينسب للمدير بسبب إصراره علي تنفيذ الفكرة في ظروف غير مواتية لذلك. وعندما نحلل أو نخوض في أسباب تفشي هذا السلوك السلبي بيننا في عدم الاعتراف بأخطائنا فنجد أنه نابع من الشعور الداخلي لدي هؤلاء الأفراد بضعف الثقة بالنفس والشعور بعدم الأمان لأن الانسان القوي الواثق من نفسه وإمكانياته لا يخشي أبدا الاعتراف بالخطأ بل يتعلم منه ويجعل من ذاته شماعة لاخطائه إيمانا منه بأن الخطأ شعور إنساني طبيعي ولكن الأهم الاستفادة منه، وقد يتواجد هذا الشعور أيضا لدي الأفراد بسبب حبهم لذاتهم لدرجة قد تصل إلي النرجسية فيصعب عليهم أن يعترفوا حتي أمام أنفسهم وأمام الآخرين بأي خطأ نابع منهم لأن كبرياءهم لا يسمح لهم ذلك، وهو شعور داخلي أيضا "بسي السيد" أو كبير المكان، هذا الموروث الاجتماعي بداخلنا الذي إنتقل إلي الأفراد بمؤسساتنا، وهي صفة متأصلة في مجتمعنا بين الذكور والاناث معا . وبالرغم من أننا في مصر لدينا رغبة عمياء في تقليد الغرب في كثير جدا من الأمور إلا أننا نقلدهم فقط فيما يتفق مع هوانا أو فيما هو سلبي فقط، فالبريطانيون والألمان مثلا يعتبرون قضية الاعتراف بالخطأ مثل الأمانة أو الصدق مع النفس فهو لديهم صفة أساسية للتعايش معهم ومن صفات القائد الناجح أو الشخصية التنافسية الناجحة، وهو عكس الحال في بعض المجتمعات الأخري الرأسمالية علي حد قول بعض المفكرين لديهم بأن التحايل أو تحوير الحقائق أو طمسها بشكل محترف أصبح سمة شائعة لديهم. ومازلت أري أن الشعوب مهما بلغت من رقي وتقدم، فإنها تكون دائما شعوبا هشة وعرضة للانهيار إن إنهارت القيم والمبادئ المجتمعية لديها. وفي ضوء ما سبق عرضه، يستوجب لدينا للتصدي لهذا السلوك السلبي لدينا أولا: إحياء نموذج القدوة المجتمعية الذي غاب عن مجتمعنا منذ زمن في جميع مؤسساتنا من المسئول في الدولة، والمعلم، وأستاذ الجامعة والمدير ورجل الدين من خلال مكافأة أصحاب المبادئ والقيم والسلوك السوي . ثانيا: التوعية المجتمعية للتصدي لهذا السلوك من خلال النشطاء في المجتمع من رجال الدين وأساتذة العلوم الانسانية في الندوات ووسائل الاعلام. ثالثا: إعلاء مبدأ الشفافية في جميع مؤسساتنا والأهم من ذلك، مجاهدة النفس للتصدي لهذا السلوك لدينا والايمان بالعبارة التي تقول لا ترمي أخطاءك علي الاخرين فخطؤك ملك لك، فاحتفظ به وعلق خطأك علي شماعة ذاتك فيوما ما ستعود وتعلق بجوارها نجاحك. وللحديث بقية في موضوع السلوكيات.