تناولت علي مدار الاسابيع السابقة الحديث عن سلسلة تقويم سلوكياتنا المهنية بما فيها من علاقات الافراد في العمل أو ما يسمي بأخلاقيات المهنة باعتبارها من ضمن المقومات الأساسية لإصلاح مؤسساتنا أو إحداث أي تقدم أو تنمية شاملة في ظل إنحدار القيم والاخلاقيات المجتمعية. ولعل تركيزي هذه المرة علي عرض موضوع هام جدا وهو "أعداء النجاح" ضمن الأخلاقيات المهنية الشائعة لدينا لما لهذا الموضوع من أثر وألم بالغ في نفسي لمسته وتعايشت معه كثيرا من خلال مواقف متعددة بعينها من قبل أعداء النجاح المقربين لأخي الأصغررحمه الله وأوجعتني عندما تذكرتها في الذكري السنوية له اليوم، حيث كانت محاولات أعداء النجاح لاحباط أي تفوق أو طموح له سببا في تدهور حالته النفسية والصحية والتي كانت من ضمن الاسباب ايضا التي أودت بحياته في الثلاثينيات من عمره، ولعلها ليست الحالة الوحيدة، ولكن كثيرا ما كنا نسمع عن مخططات أعداء النجاح في تحطيم أي إنجاز للآخرين. ويعلل الاخصائيون ذلك أن السبب وراء التصرفات السلبية لأعداء النجاح والتي تتمثل في إلحاق ضررما بالاخرين أو تحقير إنجازاتهم أو إبداعاتهم أو محاولة التشهير بهم مكايدة منهم لعرقلة تقدمهم أو غيرها من التصرفات السلبية، يرجع في الأساس إلي ضعف قدرة هؤلاء علي تحقيق ذاتهم أو إخفاقهم في محاولتهم السابقة لتحقيق نجاح ما و تشتيت جهودهم في النيل من الآخرين بدلا من تطوير ذاتهم وإكتساب الخبرات والمهارات التي تجعلهم علي مستوي عال من التنافسية مقارنة بزملائهم، ولعلي ما أجد في إستنتاجي في بعض القراءات الغربية مثل ما جاء في مجلة الريدز دايجست البريطانية أو كتاب بيل كارنيجي الكاتب الأمريكي في كتابه "جدد حياتك" والذي ترجمه الشيخ الغزالي رحمه الله من منظور إسلامي وفي بعض كتابات أو مأثورات العظماء مثل روائع البابا شنوده الثالث عن "السعادة الذاتية" من أروع التجارب العملية في الإدارة الذاتية للتصدي لمثل هذه السلبيات والتي تتماشي مع الفكر الإداري الحديث لسلوك الأفراد التنافسي ومع المنهج الرباني في الإيمانيات والتي يمكن أن نستخلص منها بعض المواقف والعبر التي تعيننا علي أعداء النجاح من خلال إتباعنا لمنهجية تفكير وسلوك إيجابي سليم تتلخص في: 1- اليقين بأن جزءا كبيرا من إستمرار الفرد في نجاحاته يرجع إلي محاولاته المستمرة لتحقيق نجاح أكبر وأيضا كوسيلة للتصدي لمحاولات أعداء النجاح في عرقلة طريقه، ولو علم أعداء النجاح بهذه الحقيقة لكفوا عن ضخ سمومهم للناجحين. 2- المنهج الإداري لإستراتجيات النجاح يقتضي دائما من الفرد عند تحقيقه للهدف أن يقدر كيف سيتصدي لنقاط الضعف لديه أو للتهديدات من البيئة الخارجيه له مثل أعداء النجاح التي تعترض طريقه للوصول للهدف ووضع الخطط المستقبلية لذلك، وهو منهج علمي مؤكد للفرد للوصول إلي هدفه مهما اعترض طريقه أعداء النجاح. 3- توظيف الإيمانيات لإكساب النفس القوة والدافعية الداخلية ليكون لديه الإصرار والعزيمة لإستكمال نجاحاته واليقين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا 4- عدم ترك النفس للقلق والتفكير في مخططات النجاح لما لها من مهدرات للطاقة وضعف حماس الأفراد بقدر التركيز علي الإستمرار في تحقيق الهدف لأن الشمس ولابد وأن تشرق دائما ولا تغيب يوما أبدا. 5- أفاد بعض الحكماء أن الفرد أن أراد أن يعادل الاضرار التي تنتج من أعداء النجاح فعليه أن يتجاهلهم أو يتعايش معهم دون التصادم معهم. وبالاضافة إلي الإدارة الذاتية للأفراد، يأتي دور الدولة للتصدي لمثل هذه السلوكيات من خلال: تركيز المؤسسات التعليمية علي التوعية بموضوع السلوكيات، وتشجيع المتميزين ليس فقط في العلم ولكن في السلوكيات السوية والتواصل الجيد مع الآخرين، وتكثيف أدوار الجمعيات الأهلية الناشطة في مجال التنمية المجتمعية والمؤسسات الدينية في مجالس الشباب مع المؤسسات الاعلامية لنشر نماذج للقدو ة المجتمعية الطيبة. وضع معيار سلوكيات الأفراد وعنصر علاقات العمل مع المحيطين بهم عنصر أساسي في تقييم العاملين وترقيتهم، وأختم حديثي بالمقولة المشهورة للدكتور عبد العزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق لتلاميذه ومحبيه: "بأن الشجرة المثمرة هي التي يحاول الكثيرون إلتقاط ثمرها، ولكن الشجرة التي لا ثمر لها لا يقربها أحد". وللحديث بقية في موضوع تقويم السلوكيات.